يوسف المحيميد
لا شك أن الاحتماء والتباهي بالسلطة، واستخدام أي قوة أو نفوذ داخل الوطن هو أمر يعطل التحول إلى مجتمع مدني تحكمه الأنظمة والقوانين التي تكفل حق المواطن، أيا كان هذا المواطن، صغيرًا أو كبيرًا، امرأة أو رجلاً، فقيرًا أو غنيًّا، مدنيًّا أو عسكريًّا، فالناس أمام القانون يجب أن يكونوا متساوين دون تفرقة أو تمييز بينهم.
وما انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم «دق على عمتك» عن رجل وعائلته يخالف أزمة المرور، ويعترض على رجل أمن استوقفه، رافضًا تقديم إثبات هويته، متقولا عليه بطريقة غريبة، ومهددًا بنشر اسمه، وهو يستقوي عليه بالإعلام والتواصل الاجتماعي، إنما هو أمر يكشف أن المجتمع، حديث عهد بحرية الإعلام الجديد، التي يمتلكها كل إنسان في جواله الذكي، ويعتقد أنه يستطيع أن يفعل ما يريد، وينشر ما يريد، ويتهم من يشاء، ويشهِّر به، دون أن يحاسبه أحد، وكما لو كنا في غابة، الغلبة فيها للأقوى والأطول لسانًا، لا يردعها قانون ولا عقوبات تضبط العلاقات بين الناس!
إذا أردنا أن نتطور فعلا، ويصبح مجتمعنا مجتمعًا حديثًا بكل أفعاله وتصرفاته، علينا أن نضع كافة الأنظمة التي تضبط ذلك، من قانون العنصرية والتمييز، إلى قانون التحرش، إلى مختلف الأنظمة التي تفنن الأحوال الشخصية في الوطن، فلا يعود أحد يتفاخر بمنصبه ولا ماله ولا عائلته، وتختفي عبارة عربية اشتهرت في الأفلام: «أنت عارف تحكي مع مين؟»، ولا يظهر لنا شخص آخر مجددًا يستقوي على رجال أمن موكلة لهم مهمة نبيلة، وهي حفظ أنظمة السير والأمن، ولا حتى على مواطنين مسالمين لم يؤذوا أحدًا، أو يهددوا أمنًا، ولا نتمنى أن نسمع مثل هذه العبارات حتى لو كانت تستنجد بالإعلام، فالإعلام سلطة رابعة، أو خامسة أو عاشرة، لكنها أيضًا سلطة منضبطة وليست منفلتة، فمثل هذه العبارات لن تنفع أمام النيابة العامة، حتى ولو كانت من قبيل: «دق على جدتك»!