منذ دخول الملك عبدالعزيز مكة المكرمة محرمًا حتى دخول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مكة ملبيًا (1343هـ - 1436هـ) من الصعب الإلمام بكل تفاصيل وجزئيات تلك الحقبة الزمنية في مثل هذا المقال الموجز، لكنني سأورد إشارات عابرة ذات دلالة واضحة على البون الشاسع بين تلك الفترة حالكة الظلمة التي منيت بالصراعات السياسية والمنازعات القبلية بسبب التنافس القائم وقت ذاك.
وتعد منطقة الحجاز من أهم مناطق جزيرة العرب لعوامل عدة، منها العامل الديني لوجود الحرمين الشريفين؛ إذ يؤمهما كثير من المسلمين لأداء الشعائر الدينية والحج، إلا أن الأوضاع الأمنية في الحجاز متزعزعة، وليس هناك سلطة رادعة، وكانت الانقسامات الإقليمية والتجزئة القبلية والحروب الأهلية من أسباب زعزعة الأمن، فضلاً عن التنافر الشديد بين البدو والحضر، وبين كل قبيلة وأخرى (1). وكان شبح الرعب والخوف يخيم على المنطقة بأكملها، والسلب والنهب والقتل والبطش هو السائد آنذاك، حتى أن المصادر التاريخية تذكر أن قبيلة واحدة سلبت قافلة حج مكونة من 70 جملاً متوجهة إلى بيت الله الحرام؟!! (2) بل كانت الجمال تربط في مقطورة واحدة خوفًا من الأعراب، وكان الذي يصل من تلك الرحلة يعد مولودًا جديدًا؛ إذ كانت الطرق غير آمنة، ومحفوفة بالمخاطر، والترصد للحجاج أصبح من المنافسة والشجاعة جهلاً وبعدًا عن روح الدين ومبادئه الواضحة، ولم يترفعوا عن قتل كبار السن والعجزة والنساء طمعًا في نفوذهم أو متاعهم وتحقيق رغباتهم العدوانية.
ولقد حفلت أخبار الحج والرحلات بكثير من أخبار الأعراب وهجماتهم على قوافل الحجيج؛ إذ إن الناجين من الموت كانوا يروون ما حدث لهم، وقد يكون فيهم كتّاب يسجّلون تلك المشاهد؟!! ولقد ورد في رسالة موجهة من شيخ قبيلة بلي سليمان بن رفادة لشريف مكة المكرمة أن (الطريق البري إلى جدة محفوف بالأخطار)، ويطلب من الشريف أن يرسل له إذا وجد طريقًا آمنًا حتى يحضر إليه في مكة المكرمة (3).
وفي عام 1342هـ وقع قتال شديد في المشاعر المقدسة بمكة المكرمة نتيجة لعداء مذهبي (4)، وكانت أحوال الحجاز في عهد الشريف حسين بن علي تزداد سوءًا. وبعد أن اضطربت أحواله المالية حاول أن يعوض ذلك بفرض الضرائب الباهظة التي كان يفرضها على الحجاج (5). وروى بعض المؤرخين عمن حدثه من الحاضرة عن أحد لصوص البادية الذين يُستأجرون لدفع تعديات قبيلة هذا اللص، (فإذا ورد التاجر الحضري ماء سجا وجد رفيقه الذي سوف يرافقه لحمايته من قبيلته، فإذا دخلت مكة غاب عني فإذا قرب رحيلي جاء إلي وواعدني منهل البرود الواقع في وادي المغمس النافذ على طريق جدعان، فإذا أتاني كان معه أربعة جمال أو خمسة أو ثلاثة - حسب الحال - موفرة من الأرز وغيره من المواد الغذائية، وهي حصيلة لصوصية هذا الموسم). (انظر صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار، محمد بن عبدالله البليهد، ج2، ص135). ويروي الفريق أحمد يغمور: إن كبار السن كانوا يروون له أنه قبل العهد السعودي كان الأمن في المشاعر المقدسة والطرق المؤدية إليها معدومًا لدرجة أن سكان حارة (جرول) في مكة المكرمة لا يقدرون على الذهاب لحارة (الباب) إلا بشكل جماعي خوفًا من الاعتداء عليهم (6)؛ فالسلب والنهب وبطش المجرمين الأبرياء أمر يدعو للرعب حتى أصبح من المخاطر السير بين مكة وجدة، بل كان من المجازفة التنقل بين مكة المكرمة وعرفات ومزدلفة أثناء تأدية فريضة الحج، مع أن بعض القوافل تسير في جماعات تحرسها الجنود، ولم تجد إجراءات الحكومة العثمانية من دفع الأموال لأمراء العشائر التي تمر القوافل بها في اتقاء شرهم (7). وكانت رحلة الحج خلال تنقلات الحجاج من بلدانهم إلى الأماكن المقدسة ورحلاتهم بين مكة والمدينة المنورة، ثم العودة إلى جدة أو ينبع إن كان السفر بحرًا أو برًّا.. كانوا يتعرضون لأقسى أنواع الإرهاب، وقد يموت بعضهم ظمأ أو جوعًا أو بسبب الأمراض، ثم صعوبة الطريق، وسوء المواصلات.. والأهم من ذلك كله خطر هجمات الأعراب عليهم، وقتلهم، ونهب ممتلكاتهم، وخطف أولاد الحجاج الأفارقة تمهيدًا لبيعهم رقيقًا في سوق النخاسة في مكة المكرمة (8). ولولا قوة الإيمان عند هؤلاء الحجاج لما عادوا للحج مرة أخرى حتى شاع بين الناس المثل: (الحاج مفقود والعائد مولود)؛ إذ لا تنتهي متاعب الحاج عند وصوله للمشاعر المقدسة بل تزداد سوءًا، وقد يهجم عليه اللصوص في أروقة الحرم أو يوم التشريق بمنى أو في يوم الوقفةعرفة؟!! وكان اللصوص يرمون الحجاج بالحجارة الصغيرة حتى إذا كانوا يقظين وشعروا بالحجارة أجّل اللصوص السطو عليهم لفرصة أخرى، وإن كانت حارسهم نامت عينه (زحفوا) مشوا على أيديهم وأرجلهم، واستولوا على ما يصلون إليه، وعادوا. ولقد أشار إلى حال الحجاج في ذلك الزمان أحمد شوقي بقصيدة مطولة، يقول في بعض أبياتها (9):
ضج الحجاز وضج البيت والحرم
واستصرخت ربها في مكة الأمم
أهين فيها جنود الله واضطهدوا
إن أنت لم تنتقم فالله ينتقم
أفي الضحى وعيون الجند ناضرة
تسبى النساء ويؤذى الجند والحشم؟
ويسفك الدم في أرض مقدسة
وتستباح بها الأعراض والحرم
قد سال بالدم من ذبح ومن بشر
واحمر فيها الحمى والأشهر الحرم
ويذكر محمد لبيب البتانوني في كتابه الرحلة الحجازية (10): (إن الجمالة أنفسهم كانوا يسرقون عفش وأمتعة الحجاج، ويهربون بأغراضهم، أو يرغمونهم على دفع أجرة إضافية، وحتى عند قضاء الحاجة يخرج الحجاج جماعات؟!! وبإيحاء من الشريف حسين احتكر السماسرة في مكة المكرمة مياه الشرب، وكانوا يبيعونها للحجاج بأثمان باهظة. ونتيجة لعجزه عن حفظ النظام كانت بعض العشائر تسطو على الحجاج، وتسلبهم طعامهم وكساءهم، وانتشرت الأوبئة؛ ففتكت بالحجاج والأهالي لعدم وجود العناية الصحية) (11).
الحج في العهد السعودي
في أعقاب العصور الزاهية المتمثلة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعصر خلفائه الراشدين من بعده، التي شهدت المد الإسلامي في أوروبا وآسيا وإفريقيا، لم يعرف المسلمون دولة التزمت بتطبيق الشريعة الإسلامية إلا مع بزوغ فجر الدولة السعودية التي أسسها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله -؛ إذ كانت انطلاقته في الخامس من شوال 1319هـ فاتحًا الرياض واستعادتها وتوحيد أرجاء الجزيرة العربية في كيان واحد حاملاً الأمانة، وباذلاً الغالي والنفيس من أجل توفير الأمن والأمان في دولته لتأمين قوافل الحجيج لأداء فريضتهم في يسر وسهولة، بعد أن عاشت بلاد الحرمين الشريفين فترة من الزمن في صراعات وفتن واضطرابات ونهب وسلب وقتل كما تبين معنا في ثنايا هذا المقال. وكان الوضع الأمني الهاجس الأكبر في فكر الملك عبدالعزيز وفي وقت مبكر من دخوله الرياض، بل كان محط أنظار المسلمين، ومحل تطلعاتهم لتخليصهم من تلك الأوضاع الأمنية المتردية، وأنه هو المنقذ كما ورد في بعض الوثائق والمصادر التاريخية، منها وثيقة مرسلة للملك عبدالعزيز في 3 صفر 1342هـ، أي قبل دخوله بلاد الحجاز، من قافلة حجاج الأفغان والأعاجم، وهي رسالة مطولة ومفصلة، يشرحون فيها الحالة المتردية، وأنهم تقطعت بهم السبل للوصول إلى بيت الله الحرام، وأنهم محاصرون بسبب الظلم والتعنت والرسوم الباهظة التي تؤخذ منهم عنوة، وهم يسمعون عن الملك عبدالعزيز العربي العادل. وجاء في الوثيقة: (ما بقي لأهالي الحجاز والحجاج ناصر، فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يديم حفظه ونصره ولطفه وعونه وإحسانه وكرمه للإمام عبدالعزيز بن الإمام عبدالرحمن، أن يشفق على أهالي الحجاز والحجاج؛ فيطهر البلاد، ويحكم على كل ظالم بقطع دابره، ونشر العدل، وتأمين الطرق، والنظر في مصالح العموم...).
ولقد انطلقت رؤية الملك عبدالعزيز منذ الوهلة الأولى التي دخل بها بيت الله الحرام محرمًا متجردًا ببياض العزيمة الصادقة والنية المخلصة، وقد وضع نصب عينيه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» بأن حماية الحجيج وأموالهم وأعراضهم مسؤول عنها أمام الله، وأن حماية الحرمين الشريفين وتأمين الحج والسهر على راحة ضيوف الرحمن واجب من واجبات الملك. ولقد حرص الملك عبدالعزيز عند دخوله مكة المكرمة عام 1343هـ على أن يوجه نداء إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها غرة شعبان 1343هـ (25 فبراير 1925م)، جاء في بعض فقراته: (إننا نرحب ونبتهج بقدوم وفود حجاج بيت الله الحرام من المسلمين كافة في موسم هذا العام 1343هـ، ونتكفل بتأمين راحتهم، والمحافظة على جميع حقوقهم، وتسهيل أمر سفرهم إلى مكة المكرمة من أحد الموانئ التي ينزلون إليها، وهي: [رابغ - الليث - القنفذة]، وقد أُحكم فيها النظام، واستتب الأمن استتبابًا، فقد دخلتها جيوشنا، وسنتخذ التدابير في هذه المراكز وجميع الوسائل التي تكفل تأمين وراحة الحجاج إن شاء الله تعالى). وكان المسلمون قد استبشروا بهذا النداء الذي تُرجم عمليًّا منذ ذلك التاريخ المجيد بإحداث نقلة، اطمأن الناس إليها في بذر جذر الأمن العميم الذي ساد حتى الهضاب والقفار وبطون الأودية.. ومن الصعب سرد الإنجازات والمشروعات التي قامت في عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله - رحمهم الله -)، وعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، ولكنني سأورد إشارات موجزة لتلك الأعمال الجبارة في خدمة الحرمين الشريفين وخدمة حجاج وعمار بيت الله الحرام، وعلى مدى أكثر من قرن منذ دخول الملك عبدالعزيز مكة المكرمة محرمًا.
أولاً: دعوة الملك عبدالعزيز لانعقاد مؤتمر عام إسلامي، انعقد في 20 ذي القعدة 1344هـ خدمة للحرمين الشريفين وأهلها، ولجمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفهم.
ثانيًا: إحداث تنظيمات إدارية للحج في بداية نشوء الدولة السعودية الحديثة، وعقب دخول الملك عبدالعزيز مكة المكرمة؛ إذ أعاد تنظيم مديرية (مراقبة الحج)، وعين الشيخ محمد سعيد أبو الخير مديرًا لإدارة الأوقاف، وأرسل إلى تلك الإدارة رواتب موظفي الحرم المكي من الخزانة السلطانية. وعندما صدرت التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية سنة 1345هـ (1926م) شملت الأمور الشرعية، وفيها الحرمان الشريفان، والأوقاف والمساجد، وأُسندت أمور الحج إلى لجنة باسم (لجنة إدارة الحج)، تألفت تحت رئاسة النائب العام من رؤساء دوائر حكومية عدة، لها علاقة بأمور الحج، يعينهم جلالة الملك، ومنحت لجنة إدارة الحج الصلاحيات التامة للإشراف والنظر على جميع أمور الحج والحجاج، وملاحظة تطبيق كل ما من شأنه أن يعود على المصلحة العامة. وكانت قرارات اللجنة المذكورة تطبَّق من قِبل النيابة العامة بعد مصادقة الملك عبدالعزيز عليها. (انظر مواد: 10، 14، 15، 16 من التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية). وأصدر الملك المؤسس في بدايات نشوء الدولة وحراك الإصلاح الإداري الأول الذي قاده نظامًا خاصًّا لإدارة الحج، ينظم وظائف المطوفين والزمازمة والمخرجين ووظائف دائرة الصحة العامة على الحج، وذلك بتاريخ 14 - 5 - 1345هـ. وهذا يعطي دلالة واضحة على مدى الرعاية والاهتمام الكبير الذي أولاه الملك عبدالعزيز لرعاية ضيوف الرحمن منذ وقت مبكر لتقلده شؤون الدولة الناشئة؛ لعمق إدراكه ووعيه المسؤول لهذا الجانب المهم. واستمرت اللجنة تدبر أمور الحج برعاية الملك عبدالعزيز المباشرة حتى سنة 1365هـ (1348م) عندما تألفت مديرية شؤون الحج العامة، وتم ربطها مباشرة بوزارة المالية، وأشرف عليها مستشار وزارة المالية وقتذاك معالي الشيخ محمد سرور الصبان؛ إذ باشرت المديرية أعمالها في مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة، وتألفت من: الشعبة الدينية، المالية، الصحية، المواصلات، الدعاية والترجمة، الإرشاد، تمييز قضايا المطوفين. وتلك نقلة تطويرية عملية، أعطت تنظيمًا نوعيًّا في نقل الصلاحيات والمهام لتقديم أفضل الخدمات والرعاية لضيوف الرحمن التي كانت الهاجس الأول لابن سعود التي توجت بإنشاء وزارة الحج والأوقاف عام 1381هـ، وعُيّن الشيخ حسين عرب كأول وزير لها.
ثالثًا: إلغاء رسوم الحج؛ إذ أصدر الملك عبدالعزيز أمرًا بذلك في شهر رمضان سنة 1371هـ. وقد كان هذا القرار الحكيم موضع تفكير للملك منذ وقت طويل، وكان صدى إعلانها في جميع بلدان العالم الإسلامي له بالغ الأثر، وهي خطوة كبرى نحو تيسير الحج للمسلمين.
رابعًا: أقام الملك عبدالعزيز مدينة للحجاج عام 1371هـ، وقد أُنشئت بالقرب من ميناء جدة الإسلامي. وهذه لفتة كريمة، ولم يسبق لأي حكومة في الحجاز أن قامت بمثل هذا العمل.
خامسًا: أنشأ الملك عبدالعزيز مصنعًا للكسوة المشرفة، وأصدر أمره في أوائل المحرم سنة 1346هـ (1927م) إلى الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية، وأمر بأن يشرف عليها الأمير فيصل بن عبدالعزيز بنفسه من فرط اهتمامه - رحمه الله - حتى لبست الكعبة ثوبها الجميل عام 1346هـ. سادسًا: التوسعات الكبرى التي شهدها الحرمان الشريفان منذ عهد الملك المؤسس حتى يومنا الحاضر، والتي لم يسبق لها مثيل. وكذلك الأعمال الجبارة في المشاعر المقدسة في منى وعرفات ومزدلفة التي لا يتسع المجال لإفرادها بالتفصيل، وبلغة الأرقام؛ إذ إن عمارة الحرمين الشريفين يتخذها ملوك المملكة العربية السعودية قربة واحتسابًا وواجبًا وخدمة وشرفًا، له الأولوية في المشروعات والرعاية والدعم اللامحدود. ولقد حظي المسجد الحرام والمسجد النبوي بتوسعات وعمارة لم يشهدا لها مثيلاً منذ عهد المؤسس - رحمه الله -، وسار على خطاه من تلاه على سدة الملك من أبنائه. ولعل الأعوام: 1371هـ، 1375هـ، 1379هـ، 1381هـ، 1399هـ، 1407هـ، 1409هـ، 1426هـ شاهد على التوسعات الكبرى التي أُنفق عليها مليارات الريالات، وما زال الإنفاق مستمرًّا وبحس القيادة الواعي التي ليس آخرها التوسعة الكبرى لجسر الجمرات الذي أُعيد بناؤه من جديد، وتوسعة المسعى والساحات المحيطة بالحرم المكي الشريف.
سابعًا: اتخاذ ملوك هذه البلاد لقب (خادم الحرمين الشريفين) الذي هو أحب وأقرب الألقاب إلى نفوسهم العامرة بالإيمان وصدق التوجه، الذين أحسنوا القيادة منهجًا وتطبيقًا عمليًّا بحنكة وحكمة، منها قيادة الحج على مدى أكثر من قرن من عمر الزمن.
ثامنًا: القدرة التنظيمية والرؤية الواضحة للأهداف، والبذل وتخصيص الميزانيات الضخمة لكل موسم من مواسم الحج، وتجنيد الإمكانات البشرية والمادية لتسيير مواكب الحجاج بكل يسر وسهولة، والنجاحات المتوالية.. أكبر دليل حي على تلك القدرة والرعاية لملوك هذه الدولة لإمارة الحج؛ إذ إن الدول المتقدمة والأكثر تقنية لا تستطيع السيطرة على إدارة التجمع للجماهير في الملاعب الرياضية التي لا يزيد عددها على 70 ألف متفرج؛ إذ تظهر مظاهر الشغب التي نراها ظاهرة امتدت، وهي لمدة 90 دقيقة فقط، فيما - ومع الفارق المنزه - نجد أن مؤتمر الحج يصل إلى أيام عدة، وبأعداد بشرية، تصل إلى ثلاثة ملايين حاج؟!!
إلا أن شغف الأمانة وصدق التوجه وإرادة العمل الصادق وسلامة النية والإشفاق الحازم في فكر قادة المملكة بعد توفيق الله - عز وجل - والترفع عن صغائر اللجج وسخاء البذل من السمات التي أثبتت التجارب أنها العوامل التي ضربت في التاريخ صورًا رائعة من الأعمال والمواقف، يقرؤها كل منصف، ويقرؤها بعد مائة عام أبناؤهم امتداد ذلك الجيل الذي عاش صدر الدولة السعودية الحديثة بقيادة الملك عبدالعزيز وأبنائه البررة.
... ... ...
الهوامش:
(1) حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين، ط4، ص10.
(2) جريدة القبلة، العدد الـ32.
(3) إبراهيم العتيبي، الأمن في عهد الملك عبدالعزيز، ص23.
(4) مجلة المنار، ج4، في 29 - 11 - 1345هـ.
(5) أحمد السباعي، تاريخ مكة المكرمة، ج2، ص234 - 237.
(6) إبراهيم العتيبي، مصدر سابق، ص16.
(7) اللواء إبراهيم رفعت باشا، مرآة الحرمين، ج1، ص73.
(8) المصدر السابق، ج1، ص83.
(9) الشوقيات (بيروت، المكتبة التجارية الكبرى) 1964م، ص263.
(10) محمد لبيب البتانوني، الرحلة الحجازية (القاهرة، 1329هـ)، ص213 - 219.
(11) مجلة المنارة، ج7، م25 في 29 - 3 - 1343هـ.