د.عبدالله بن موسى الطاير
العقود الماضية صنعت رموزاً ونخباً كان لها تأثير في الداخل والخارج وأسهمت في صناعة الصورة الذهنية السعودية، ووجهتها بما يتفق مع مدخلات التعليم والإعلام والمسجد، ولذلك فقد كانت نتاج خلطة محلية لم يفرضها علينا أحد من الخارج. ومنذ الربع الثالث من عام 2001م بدأت عمليات مراجعة، وتصدرت الأجهزة الأمنية المشهد سواء في المعالجات العسكرية المباشرة أو في المعالجات الفكرية وأبلت بلاءً حسناً شهد وأشاد به الداخل والخارج.
برز تطرف آخر استغل ضعف خصومه وتراجع خطابهم فحاول أن يتصدر المشهد بمستوى خطر لا يقل بحال عن التيار المقابل. وببزوغ فجر الربيع العربي تحولت ملامح الليبرالية الناعمة خطر يتهدّد الوحدة الوطنية. والحق أن الليبراليين صنعوا بالتضامن مع الإخوان نماذج سعودية لبو عزيزي تونس في محاولات دؤوبة لتجييش الشارع وهو ما ظهر بوضوح في يوم «حنين».
الخطر الذي واجه المملكة في عام 2011م ربما يتربص بها في مستقبل غير بعيد، فالذين يحملون مناهج خفية سواء ممن التحقوا بركب الإخوان المسلمين أو الصحوة أو أي تيار يستهدف أمن هذا الوطن واستقراره يمكن لهم أن يغيّروا ملامحهم وأن يدلفوا إلى الساحة بجلابيب مختلفة يصعب معها التعرّف عليهم وتصنيفهم.
كل الشواهد تؤكّد أن فكر الإخوان المسلمين وتنظيمهم تلقى ضربات موجعة داخل المملكة. ولكن من باب آخر، يصعب الجزم بأن هذا الشخص إخواني بناءً على مظهره، وخصوصاً أن بعض المنتسبين الأصيلين للإخوان المسلمين ليس لهم طروحات فكرية أو سياسية يمكن رصدهم من خلالها، ولكنهم ضالعون ببراعة في العمل التنظيمي، ولا يحيط بهم سوى الأجهزة الأمنية، التي تمتلك معلومات غير متاحة لمن يصنفون الناس اعتباطاً من خارج هذه الأجهزة. وهنا تؤرِّقني الخشية من عودتهم إلى ممارسة هوايتهم في جلود وطنية وليبرالية ووسطية، بل وحتى سلفية.
علينا أن نعترف بأن هناك تقارباً وثيقاً بين الإخوان المسلمين والليبراليين السعوديين، فالطرفان يجتمعان على العداء للدولة ولكن لكل منهما سببه. فذاك يكره الوطن لأنه يعتنق الأمة، وهذا يكره الوطن لأن الوطن يعلن أن دستوره القرآن والسنة، وهو ما يتعارض مع منطلقات الليبرالية. هذا الاتفاق على المصالح بين تيارات الإسلام السياسي والتيارات الليبرالية يمثِّل خطراً لا يتوقف ولا يجب التراخي عن مواجهته إذا أصبح يمثّل خطراً على الأمن الوطني.
أي مواطن من حقه أن يكون ما يريد في التزامه الديني طالما أنه لم يصل إلى الدرجة التي يكفِّر بها غيره من المسلمين أو يلتحق بتنظيمات إرهابية أو يتآمر على الوطن، كما أن الذين يعتنقون الليبرالية يمارسون حقهم في الاختلاف شريطة ألا يكون ذلك على حساب الأمن الوطني ووحدة المجتمع ولحمته الداخلية. ولذلك فإن الجامع الذي يقبل كل الانتماءات الأيدلوجية هو الوطن. وهذا يتطلب إعادة تأسيس المواطنة وصناعة المواطن الصالح بغض النظر عن الفكر الذي يعتنقه. هذا الوضع المثالي استغرق وقتاً، وإلى حين تحققه فإنه من الخطر سحب خطاب كان رائجاً لصالح خطاب يماثله في الخطورة، أو أن نصنع فراغاً يستغله أعداء الوطن من خارجه.
مسؤولية وزارات الشؤون الإسلامية والإعلام والثقافة هي الكشف عن رموز جديدة ذات خطاب وطني مقنع للداخل والخارج. هذا الخطاب يجب أن يكون مؤسساً معرفياً ومؤهلاً مهارياً، ويتمتع بكاريزما قادرة على التأثير الإيجابي.