نوف بنت عبدالله الحسين
هناك من يقدّم نفسه قرباناً للمجاملة، حتى يقع في وحل مزعج من المجاملات التي لا تنتهي... حينها لا مفر من هذا الغرق سوى بطريقة واحدة... التوقف عن المجاملة...
للمجاملة حدود معيّنة... وخط واضح... هو ألا يرهق صاحبه... فصاحب المجاملات الدائمة يكاد يختنق من جرّاء المجاملة... فإن تعوّد الآخرين منه المجاملة... استنكروا رفضه واستهجنوا انفجاره...
ولذلك التوازن في التعامل مطلوب... فلا يرهق المرء نفسه في المجاملة، كأن يقوم بعمل لأحدهم فينسب للآخر دون ذكر له... أو أن يتحمّل عن الآخر مسئوليّاته فيعطّل الآخر دون شعور وقد تختلط كل الأمور بسبب المجاملة...
المجاملة المحمودة تكون في حدود اللباقة بانتقاء عبارات لطيفة تصحبها ابتسامة هادئة والمساعدة بحدود، رغبة في التعاون وتقديم المساعدة والإفادة... وهذا النوع من المجاملات ما هو إلا سلوك مبهج ولطيف بل ومطلوب.. أما المجاملة المرهقة هي عندما يصل بك الأمر بألا تستطيع أن تقول لا... وهذا هو وحل المجاملة القاتل...
مشكلة الشخص المجامل هو أنه يتم استغلاله بشكل سيئ... فتتحوّل المجاملة إلى نقطة ضعف يراها الآخر صيداً ثميناً حتى يرهقه بطلبات لا تنتهي... فيكون تابعاً له دون أن يشعر... وتكبر دائرة المجاملة لتشمل كل شخص عرف بنقطة الضعف وبالتالي سارع في نهش المجامل وكأنه قربان للمجاملة..
وعلى النقيض... هناك من لا يمكن أن تقترب منه لأنه لن يكون سوى لغم متفجر في وجه أي أحد... وهذه الشخصية بغيضة... لا يمكن أن تجد من خلفها منفعة أو دعماً أو مساندة... بل تجني على ذاتك حين تطلب منهم... هؤلاء الاقتراب منهم يكون بحذر وحفظاً للكرامة وماء الوجه...
ولذلك وضح لنا ديننا الحنيف كيف لنا أن نتوازن في أمور المعاملات {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، وهي آية عظيمة تحمل من الدلالات والمعاني الكثير.. حيث إن الله سبحانه وتعالى يقدّر للإنسان ما يستطيع تحمله من مسؤوليات وابتلاءات... ومن ناحية أخرى لا تكلّف نفسك فوق طاقتك...
لا تكن قرباناً للمجاملات... وكن خدوماً قدر المستطاع.. ولكن ليس فوق المستطاع ولا أقل من المستطاع... واستخدم ميزان الروح العقل... وأعطِ بقدر دون مبالغة... وتذكر... أنت من يدولب العجلة... لا الآخرون.