عبدالمحسن بن عبدالرحمن بن عسكر
كانت الفكرة في سابق الزمان أحيانًا تأخذ أشهرًا، وربما سنوات؛ كي تصل إلى قالب خاطرة قابلة للحياة والتنفيذ، بل إنها قد تكون رائجة وناجحة وفعّالة في بعض البلدان، وتم تنفيذها، ولم يسمع عنها، بل لم تُرَ بعد في منظومة الأقطار الأخرى بسبب ضعف الاتصال وإيصال المعلومة والاستفادة منها.. ولكن أصبح العالم الآن قرية صغيرة، والمعلومة متوافرة في شبكة الإنترنت، ويمكن إيصالها إلى العالم في لحظة زمن عبر التواصل الاجتماعي (WhatsApp, Snapchat, Facebook, Twitter, YouTube) وخلافها.
وكان لزامًا علينا مسايرة ذلك في ضوء هذه المعطيات والصراع والتنافس التقني، وبحكم أن المملكة لديها رصيد عالٍ من فئة الشباب الذين هم عماد أي مجتمع. وحسب الإحصائيات الدورية الخاصة بنسبة وتناسب استخدام الشباب لوسائل التواصل الاجتماعي في المملكة تُعتبر السعودية بكل فخر من الدول الأولى في التعاطي مع التواصل الاجتماعي، بل أحيانًا يكون هناك إبداع في بعض الأطروحات. ولعل المسابقة الأخيرة التي أُقيمت في جدة (هاكاثون الحج) التي أقامها الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والدرون حول استغلال التقنية في سبيل تسهيل إجراءات الحج والحجيج في المملكة شاهد على ذلك، وقد كانت الجائزة الأولى من نصيب فتيات سعوديات.
لكن لو تم توظيف هذه الطاقة المهدرة من خلال مسابقة دورية في خلق أفكار عدة مفتوحة، ودعوة جميع مؤسسات الدولة الإسهام فيها، وإيجاد الأرضية المناسبة، وتوفير متطلباتها كافة للمتسابقين بغية إيجاد بيئة تنافسية في الصراع على إيجاد أفكار وحلول إنتاجية للدولة في سبيل تقليل التكاليف، وزيادة الإنتاجية للدولة، وخلق مجتمع همُّه الوحيد التنافسية والنهوض بالوطن والمواطن إلى مستوى الواقعية على مجتمعنا في ظل الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي، لكان ذلك مفيدًا.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، بيل قيتس بنى ثروته وشركاته على فكرة الحاسوب الشخصي، وستيف جوبز نقل الحاسوب من المكتب إلى الهاتف النقال، وجيف بيزوس صاحب فكرة أمازون من موظف في سوبر ماركت إلى مالك أكبر سلسلة تخزين للبضائع في العالم، وزوكربيرج صاحب فكرة فيس بوك من مشروع تخرج إلى أكبر وسيلة تواصل في العالم، ويوتيوب من فكرة منصة عرض الشخص لسيرته الذاتية في أمريكا للحصول على عمل إلى أكبر منصة عرض للفيديوهات والتواصل الاجتماعي.
والقصد من كل ذلك أن نواة أي مشروع تنبع من فكرة، وربما يتم وأدها لو لم تجد الأرضية المناسبة والاحتواء.. ولعلي أستذكر أحد المشاريع والدراسات التي كانت حبرًا على ورق في مركز الدراسات التابع لوزارة البترول والثروة المعدنية آنذاك، وتم تحويله إلى واقع، وهو تحويل حرق الغاز الطبيعي الناتج من استخراج النفط إلى شركة عملاقة، هي سابك، والاستفادة منه، وإيجاد صناعة بتروكيماوية تنافسية، دخلت الأسواق العالمية، وأصبحت أحد معالم الصناعة في المملكة في هذا المجال.
والفكرة لا يمكن تحقيقها إلا إذا كانت هناك رغبة في تنفيذها؛ فنحن في عصر الكم الهائل من المعلومات والاستخدام اللامحدود من وسائل التواصل الاجتماعي، بل إن بيوتنا - مع الأسف - أصبحت مخترقة من قِبل رواد (Snapchat)، خاصة النساء اللاتي أدمن إياها لحد أنهن لا يكللن من متابعة مَن هم - كما يقال عنهم - مشاهير قصد الربح السريع، وهم في الواقع لا يقدمون أية فكرة جديدة، فقط هم مسوقون على حساب الوطن والمواطن.. وفي المقابل لو تم توجيههم في إطار أسلوب علمي تنافسي لخلق بيئة إبداعية تنافسية، غايتها توطين تقنية المعلومات، وبأيدٍ سعودية، ودعوة وزارة التعليم والجامعات لوضع أسس الأفكار الإبداعية من النشأة حتى تكوُّن الفكرة، وتنشأ في فترة النضوج والإبداع لدى الصغار الذين يعتبر الخيال لديهم في ذروته مقارنة بالكبار، وبناء عليه تنشأ مسابقة في جميع قطاعات الدولة، ويتم تنظيمها من قِبل الأمن السيبراني في إطار صراع بين الفكرة ووسائل التواصل الاجتماعي، لحصلنا على نتائج كبيرة.