عبدالعزيز السماري
أشغلت ظاهرة التعلق بمشاعر الحب والجاذبية ميادين الشعر والأدب، ولو تابعنا ما ننتجه في مجالات الشعر والأغاني لتوقفنا كثيراً عند هذه الظاهرة، وتساءلنا عما يجعل هذه الأمة تعيش في غرام وهيام مستمر، فنحن أنتجنا من الشعر في الغزل والحب والوجدان في عقد من الزمان أكثر مما أنتجته العالم منذ أول قصة حب في التاريخ، وعندما نقرأ سيرة مجنون ليلى نشعر بالأسف لمن يهيم حباً وغراماً للأبد، ونهاية قيس وجنونه راسخة في العقل العربي، ولهذا يظل هناك سؤال معلق عن الحب، وهل هو حقيقة أم انحراف في حالة الاستقرار العقلاني.
لقد طرح العلماء في مجالات تتراوح بين الأنثروبولوجيا وعلم الأعصاب السؤال نفسه (وإن كان أقل ببلاغة) على مدى عقود. واتضح أن تفسير العلم لظاهرة الحب أبسط وأكثر تعقيدًا مما نعتقد، وغني عن القول إن الأساس العلمي للحب غالبًا ما يكون مثيرًا للإعجاب، وكما هو الحال مع معظم العلوم، وقد لا نعرف ما يكفي لاستخلاص استنتاجات راسخة عند معرفة جزء من اللغز، لكن ما نعرفه هو أن الكثير من الحب يمكن تفسيره بالكيمياء، لذا إذا كانت هناك «صيغة» حقيقية للحب، فما هو، وماذا يعني ذلك؟ هل فكرت في آخر مرة واجهت فيها شخصًا من الجنس الآخر تجده جذابًا، قد تكون مرتبكاً بعض الشيء، وشعرت بخفقان شديد في القلب. ولهذا لم يكن من المستغرب أن الناس، لقرون، ظنوا الحب (ومعظم العواطف الأخرى) نشأت من القلب، كما يتبين، لكن كل شيء عن الحب مصدره الدماغ، الذي بدوره يجعل بقية جسمك يرتبك ويشعر بالموقف. وفقًا لفريق من العلماء يمكن تقسيم الحب الرومانسي إلى ثلاث فئات: الشغف والجذب والتعلق، وتتميز كل فئة بمجموعتها الخاصة من الهرمونات النابعة من الدماغ، وتبدأ بمرحلة الدافع وراء الرغبة في الإشباع الجنسي، وينبع من فطرة حاجتنا إلى التكاثر، وهي حاجة مشتركة بين جميع الكائنات الحية، فمن خلال التكاثر، تمر الكائنات الحية على جيناتها، وبالتالي تسهم في إدامة نوعها، وتؤدي غدة ما تحت المهاد في الدماغ دورًا كبيرًا في بدايات ما يطلق عليه بالحب، مما يحفز إنتاج هرمونات التستوستيرون والإستروجين من الخصى والمبايض، فهرمون التستوستيرون يزيد من الرغبة الجنسية لدى الجميع، بينما الآثار تبدو أقل وضوحًا مع هرمون الإستروجين..
في مرحلة الجذب أو الجاذبية تبدأ تأثيرات مسارات أخرى للدماغ، وقد تفسر جزئياً السبب في أن الأسابيع أو الأشهر القليلة الأولى من العلاقة يمكن أن تكون مبهجة للغاية وتستهلك كل شيء، وهرون الدوبامين يتم إطلاقه عندما نفعل الأشياء التي تجعلنا نشعر بالارتياح، وفي هذه الحالة، تشمل هذه الأمور قضاء مزيد من الوقت مع الأحباء، حيث يتم خلاله إطلاق مستويات عالية من الدوبامين والهرمونات ذات الصلة، وتجعلنا هذه المواد الكيميائية أكثر شعوراً بالنشوة والبهجة، وقد تؤدي إلى انخفاض في الشهية والأرق..
في حالة الحب والهيام يقل تناول الطعام وتطول مدة الأرق، وهذا ضد انتشار حالات البدانة بين شعراء الغزل والحب في هذه العصر، ويؤدي هرمون النورإبينفرين، المعروف أيضًا باسم النورأدرينالين دورًا كبيرًا في الاستجابة للصمود أو البقاء في حالة من النشاط، والذي ينطلق بسرعة عالية عندما نشعر بالإرهاق ويبقينا في حالة تأهب، وقد أظهرت فحوصات الدماغ للأشخاص الذين يعيشون في الحب أن مراكز «المكافأة» الأساسية للدماغ تطلق النار لمشاعر الجنون عند بعض الناس عندما تظهر صورة لشخص ما ينجذبون إليه بشدة، وربما تكون حالة نادرة وأكثر إفراطاً، وقد تفسر حالة قيس في جنونه الشهير..
أخيرًا وليس آخرًا، فإن هرمون التعلق أو الأوكسيتوسين هو الحالة الأبرز والأكثر أهمية، وهو العامل السائد في العلاقات الطويلة مثل الزواج والصداقات، والترابط بين الوالدين والرضع، واستمرار المودة الاجتماعية، وغالباً ما يطلق الأوكسيتوسين أسم «هرمون الاحتضان»، ويتم إنتاج الأوكسيتوسين من غدة الوطاء، ويتم إطلاقه بكميات كبيرة أثناء العلاقات الزوجية، والرضاعة الطبيعية، والولادة.
قد يبدو هذا نوعًا مختلفًا من الأنشطة الغريبة التي ليست جميعها ممتعة بالضرورة، ولكن إذا توقف إفراز هرمون التعلق في علاقات الحب، فأعلم أنها ليس كذلك، ولكن ربما نشوة طارئة، ولن تصل إلى مناطق أكثر استقراراً في المستقبل، وقد يتسطيع العلم في المستقبل الكشف مخبرياً عن حالات الحب المزيفة من خلال قياس مستويات الأوكسيتوسين في الدم ولكن من المؤكد أن العلم الحديث لن يستطيع تفسير طفرة شعر الحب والغزل في المجتمع السعودي..!