د.عبد الرحمن الحبيب
أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تشكيل هيئة جديدة باسم «مجموعة العمل الإيرانية» في مؤتمر صحفي الخميس الماضي.. واصفاً هذا الإجراء بأنه «محاولة لإجبار النظام على إيقاف عقود من «السلوك العنيف والمزعزع للاستقرار.» وقال: «أملنا بالتوصل في يوم قريب لاتفاق جديد مع إيران لكن يجب أن نرى تغييرات كبيرة في سلوك النظام داخل وخارج حدودها.. نحن ملتزمون بجهد حكومي كامل لتغيير سلوك النظام الإيراني..»
يأتي هذا الإعلان في وقت تعيد فيه الإدارة الأمريكية فرض عقوبات شديدة على تجارة النفط الإيرانية وغيرها من القطاعات الاقتصادية الرئيسية الذي نتج عنه حتى الآن انسحاب كبرى البنوك والشركات متعددة الجنسية مثل توتال وبيجو ومايرسك، وبنك دويتشه الألماني. إذن ستشكل «مجموعة العمل الإيرانية» ثقلاً إضافياً للضغوط السياسية والاقتصادية على النظام الإيراني، وإظهار التصميم الأمريكي بذلك..
المراقبون في واشنطن ينظرون لهذا الإعلان على أنه علامة أخرى على تركيز الرئيس ترامب على إيران، وإجبارها على تعديل سلوكها، لا سيما أنه قد عين لقيادة هذه المجموعة بريان هوك، مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية وهو من أكثر المناصب نفوذاً في الوزارة، كما يعد هوك أحد أقوى المسؤولين وراء الكواليس بوزارة الخارجية حسب مجلة «فورين بوليسي».
بعد إعلان بومبيو قال هوك في حديثه للصحفيين: إن مجموعة العمل ستنطلق بفريق صغير وسيلتحق بهم المزيد من الموظفين.. وسوف تنسق مع الحكومات الأجنبية لزيادة الضغط على إيران ودفع دول أخرى لتخفيض وارداتها من النفط الإيراني إلى الصفر قبل 5 نوفمبر (الموعد النهائي لإعادة فرض العقوبات الأمريكية). وقال: «إذا أظهر النظام الإيراني التزامًا بإجراء تغييرات جوهرية في سلوكه، فإن الرئيس مستعد للدخول في حوار من أجل إيجاد الحلول.»
نلاحظ هنا تفاؤل أمريكي باستجابة إيرانية للحوار باعتماد أسلوب ترامب في عقد الصفقات: وهو أقصى قدر من الضغوط مع مكافآت مجزية إذا وافق الطرف الآخر على المطالب الأمريكية.. فما هي الردود الإيرانية؟ ناقش مقال سابق أن الردود الإيرانية العاجلة هي آنية غرضها المناورات الكلامية لادعاء القوة للخارج ولتغطية الأزمة الحادة في الداخل. لكن الأزمة الخانقة التي يمر بها النظام الإيراني نتيجة العقوبات الأمريكية تجعل من الممكن التوقع أن الردود اللاحقة ستكون مختلفة لأن النظام الإيراني سيسعى لتجنب النتائج القاسية لهذه العقوبات وزيادة الغضب الشعبي في البلاد..
بيد أن الزعيم الإيراني الأعلى، علي خامنئي، لم يوفر فرصة للتفاؤل، إذ أعلن عدم موافقته، قائلاً: «أنا لن أحضر عقد أي محادثات مع أمريكا.» ولام من سماهم «معتدلين» على تخاذلهم. فهل يعني ذلك سد الباب أمام إمكانية التفاوض أو تقديم تنازلات؟ دينس روس بخبرته الطويلة كمبعوث أميركي سابق للشرق الأوسط لديه نفس تفاؤل الإدارة الأمريكية.. ففي مقال له ذكر أن التاريخ والديناميكيات السياسية الأساسية تشير إلى أن موقف إيران المتشدد من المفاوضات سوف يتلاشى قبل فترة طويلة، ومن الممكن تماماً تخيل التوصل لاتفاق بين الجانبين.. عندما يشعر النظام بالضغط، فإن نمطه التاريخي هو تعديل سلوكه مثلما حصل بإعلان انتهاء الحرب مع العراق عام 1988، ومثل موافقتهم على الاتفاق النووي بعد أن أعلنوا مراراً أنهم لن يتفاوضوا أبدًا بشأن برنامجهم النووي طالما أنهم يخضعون للعقوبات. ومع ذلك، لن تكون الجولة القادمة من المفاوضات الأميركية-الإيرانية شبيهة بالأولى بالاتفاق النووي، ومن المرجح أن يلعب الرئيس الروسي دوراً أساسياً كصانع سلام. من المحتمل أن تبحث إيران عن طريقة للحديث، ليس بشكل مباشر، لأن ذلك سيبدو وكأنه استسلام.. بل عبر روسيا فهم يرون كيف يرتبط ترامب ببوتين، وباهتمام بوتين في إظهار النفوذ الروسي على المسرح العالمي، سيكون سعيدًا أن يكون الحكم بين الولايات المتحدة وإيران.
وقد كتب الباحث الاستراتيجي الأمريكي جون هانا (مستشار سابق في الأمن القومي): قد تكون الشروط الأمريكية تعجيزية، لكنها ستكون مقبولة في نطاق ترتيب الأولويات إذا قدمت إيران بعضها. على الأقل، العمل على إجبار إيران على سحب أبواقها وتقليل تهديدها الحالي لاستقرار المنطقة وللمصالح الأمريكية، وإجبارها إن أمكن، على العودة لطاولة المفاوضات والحصول على موافقة على صفقة كبرى تعالج بشكل شامل سلوكيات إيران التهديدية، النووية وغير النووية. ولكن إذا لم تستجب إيران، فستحتاج أمريكا إلى أن تكون مستعدة لمواصلة الضغط حتى يتمزق النظام، أو تُطيح به انتفاضة شعبية، أو توجد خليفة أكثر اعتدالا.
وكذلك على الجانب الروسي ثمة تفاؤل، إذ يعلق رئيس مركز الاتصالات الاستراتجية الروسي ديمتري ابزالوف، قائلاً: «إن أسلوب ترامب القاسي هذا يعمل.. وإنه يمكن أن يعمل مع كوريا الشمالية، ومع الصين، والاتحاد الأوربي، والآن الدور على إيران».
إن قبول القيادة الإيرانية بعلاقات طبيعية سلمية مع دول الجوار هو ما تسعى إليه دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لكن القيادة الإيرانية لا تزال تعتبره خياراً محفوفاً بالمخاطر عليها كسلطة دينية تنتمي للماضي، وتعيش على تصدير الثورة وتصدير أزماتها الداخلية للخارج. الكرة الآن بالملعب الإيراني كي تكون دولة طبيعية بدلاً من نظام مارق..