رمضان جريدي العنزي
ترتقي الأمم وتنهض بالعلم والمعرفة والعمل الجاد، وتفعيل العقل، وتوليد الأفكار التطويرية التنويرية الناهضة.. وبالعلم والعمل تُبنى الأمم وتتقدم وتنمو، وينتهي التخلف والجهل والأمية والظلام؛ فالعلم أهم ضروريات الحياة، وكذلك العمل الجاد. العلم هو أحد أعمدة بناء الأمة وتقدمها وازدهارها وتعافيها، وكذلك العمل. إن الناظر في الأمم الحاضرة يلحظ أن تحضرها وتقدمها ورقيها كان مرتبطًا بالعلم والعمل ارتباطًا تامًّا، كما أن ماضيها وانحطاطها وتخلفها كان مرتبطًا بالجهل والكسل. إن العلم والعمل مرتبطان ارتباطًا صريحًا ووثيقًا، ومتحدان مع بعضهما البعض بشكل وثيق وصلب ومتين؛ فكلاهما سبب ونتيجة للآخر. إن العلم والعمل في وقتنا الحاضر لم يعودا اختياريًّا بل أصبحا من الضروريات المهمة للغاية، ومتطلبات العصر، ويعدان حدًّا فاصلاً بين الجهل والعلم، وبين التطور والتخلف.. فنحن نعيش في عالم متسارع، لا مجال فيه للكسل والخمول والنوم الطويل. إن الملاحظ في الآونة الأخير مع وجود أجهزة التواصل الاجتماعي بكل أنواعها، وانتشارها، وسهولة استعمالها وتشغيلها من قِبل أطياف وشرائح المجتمع كافة، هو الإسراف بـ(الهياط) وتأطيره، والتنظير له، والتصويت عليه، ووضع المبادئ والمرتكزات والأسس والخطوط العريضة والمسارات له، الذي يعني كليًّا نسف مبادئ العلم المفيد، والعمل المنتج الجاد والفعال، والنكوص والتخلف والتبلد والارتداد. إن علينا أن نتعلم ونعمل بجد، ونفكر بجد، ونتخلى بجد عن الهياط كله، بكل أشكاله وألوانه وأنواعه، المفضي إلى النفاق الاجتماعي، والرياء الباهت، والفشخرة الكاذبة، والازدواجية المقيتة، والأقنعة المزيفة، ومحاولة الظهور بمظهر مختلف عن حقيقة «المهايط» وحاله وجوهرة. إن علينا لكي نرتقي ونلحق بركب ومصاف الدول المتقدمة في كل المجالات أن نمقت الهياط، ونرفض أن نورثه لأجيالنا. لقد انتشر الهياط في الآونة الأخيرة انتشار النار في الهشيم، ودب كدبيب النمل، وفق صور وأشكال متنوعة مبتكرة وغريبة، وفيها تهريج وتمثيل كبير. إنَّ السعار في الهياط أنتج ثقافة قاصرة صفراء، ومسح الفكر، وأحدث شرخًا في المفاهيم والقيم الاجتماعية بعيدًا عن تعميق المفاهيم الجميلة، والقيم النبيلة، وتطوير المدارك. إن «المهايط» يعيش صراعًا نفسيًّا حادًّا، وهوسًا فظيعًا نتيجة الإسفاف والغثاء والتمثل ولبس الأردية التي لا تليق به، والخطاب الواهن الذي يتلوه، وأخذهلأدوار الباهتة. إن قلة الضوء الذي يخترق المياه يُحدث ضررًا فيه، ويساعد على ازدهار الطحالب والعوالق والشوائب. كذلك هو الهياط الذي يشبه الشوك والعليق والحنظل، ولا يشبه الحقل اليانع والسنبلة والوردة. إن الهياط فلسفة غير نزيهة، وحكمة غير بالغة، وبُعد نظر شحيح، وتشكيل كلامي قاصر وباهت غير منطقي، ولا معقول، ولا مقبول للعقل السوي، وفيه توحش كبير، ولا يرتقي بالذات والناس نحو رؤى واضحة، وأفعال خالدة. إن علينا لكي نرتقي بجد أن نجفف مستنقعات هذا الوباء، وأن نقبره للأبد؛ لكي تبقى الساحة نظيفة ومهيأة للعطاء والإبداع والتفاعل مع مستجدات العصر ومتطلباته. إن دفن الهياط نهائيًّا، ومحوه تمامًا من ثقافتنا الاجتماعية، يعني مزيدًا من التقدم والتطور والإنتاج والإبداع وتفجير الطاقات والمواهب، وصنع واقع ناصع نستحقه، ويليق بنا. إن منظومة العلم والعمل والقيم الجميلة، والمبادئ النبيلة، ومكارم الأخلاق، هي التي يجب أن تحكم مساراتنا كلها؛ لأنها تمنحنا القدرة الكبير على خلق واقع هادف وبنّاء.. يجب علينا أن نكرس هذه الأشياء الجميلة في نفوس النشء، يجب أن نكرسها في نفوسهم، ونجعلها همهم ومبتغاهم ومرادهم بعيدًا عن التقوقع في دائرة الهياط الضيقة البائسة والمظلمة، وعفنه البائن الذي لا يؤدي إلا لمزيد من الاغتراب والتوحش والهواجس والسقم والضعف والوهن والتوجس والتخلف. إن الأخطر الملاحظ هو تحول الهياط إلى حالات متداولة ومقبولة لدى شريحة كبيرة من الناس، ولا يعترض عليها إلا القلة القليلة من المجتمع، بل يعتبرها البعض الغالب نوعًا من «الفهلوة» الذكية. إن علينا جميعًا، كل في موقعه ومسؤوليته، جنسه وعمره، أن نكثف الجهود لطمس هذا الهياط الذي أخذ في الآونة الأخيرة أوجهًا عدة في المدح والطرح والمأكل والمشرب والمركب، وإحياء العنصرية والأحقاد، وتأطير التباغض والتحاسد، ونادى على المومياوات العتيقة.. علينا أن نعيد قيم العلم والعمل والوعي وسلوك التعامل النظيف ورقي الأخلاق، ونجعلها في الصدارة؛ لكي نعيش بياض الحياة وتقدمها، ونهنأ بمكتسباتها. إنها دعوة صريحة إلى تهذيب النفس، وتهذيب السلوك، وإحياء قيم العلم والعمل؛ لنصبح بعدها أقوياء بكل تفاصيلنا بعيدًا عن الهياط الذي لا ينتج سوى الرماد، ونصوص النكوص. علينا حقًّا لكي نحيا حياة سليمة هانئة أن نزيح مشاهد الهياط من حياتنا، ونمقت المهايطين، ونجلدهم بالنقد، وننبذ جوقة المهللين والمفقين والمنتفعين به والمنظرين له، الذين سببوا لنا الضبابية، وحاولوا صنع العتمة، وسد الباب والنافذة والطريق.