فوزية الشهري
في ذكرى وفاته -رحمه الله- نعود للوراء ونتصفح ونقرأ السطور التي كتبت عنه ونتجول بين أحرف كتبه ونرتوي من فيض علمه، غازي القصيبي شاعر وأديب وسفير ودبلوماسي ووزير وهو أيضاً إنسان حمل معنى الإنسانية بكل دلالات هذة المفردة، فرغم ما وصل له من مناصب بقي إنساناً لم يتبدل أو يتغير، وقد تحدث عن إنسانيته حمد القاضي في كتاب (قراءة في جوانب الراحل د. غازي القصيبي الإنسانية) وهو بالأصل محاضرة ألقاها في نادي المدينة المنورة الأدبي في الشهر الثاني لرحيله ثم طبع كتاباً لتوثيق ذلك، وهنا سأقطف لكم من ربيع إنسانيته مواقف تركت في نفسي أجمل الأثر ربما لا يعلم الكثير منا أن جمعية الأطفال المعاقين كانت فكرته وتأسيسه -رحمه الله- وبدأت بالرياض وأثمرت في جميع مناطق المملكة وتخدم فئة غالية على قلوبنا علاجاً وتدريباً وترفيهاً فهنيئاً له ذلك.
وقد كان يشهد له بحب إخفاء الأعمال الخيرية وتجلت هذه الصفة بموقفين أولها مارواه الشيخ عبدالمحسن النعيم إمام جامع المزروعية بالأحساء أنه كتب له يطلبه الإسهام في ترميم الجامع فبعث إليه 30 ألفاً وكان شرطه عدم النشر والموقف الثاني يروي د. حمد الماجد مدير المركز الإسلامي ببريطانيا سابقاً في مقالة (شاهد على عصر القصيبي)، يقول فيه إنه جاءه اتصال من الدكتور غازي عند عودته من الكويت وأبلغه بحصوله على جائزة تقديرية ومبلغ 300 ألف ريال، ونيته التبرع بها للمكتبة.. وعندما أردنا نشر ذلك في الإعلام كان رده (يا حمد يفرح الواحد منا أنه وفق لمثل هذه الصدقة ثم تريدني أن أحرق ثوابها بوهج الإعلام أنس الموضوع)، وذهبت صدقته -رحمه الله- لمن لا يضل ولا ينسى.
ومن أكثر المواقف التي أثرت بي عزيمته لمستخدم كان يعمل معه في مكتبه بوزارة الصناعة والكهرباء وقد روى ذلك الشيخ عبدالوهاب الطريري لأن المستخدم كان قريباً له فيقول إنه فوجئ ببطاقة دعوة لحضور زفاف يارا بنت الدكتور غازي وكان قد ترك الوزارة وسافر إلى لندن، وهذا دليل وفاء وتواضع مع البسطاء وكم نرى بحياتنا من ينسى مع الأسف زملاءه عند الانتقال الوظيفي، ولَم يكتفي بالدعوة بل عندما حضر للزواج رحب به وكأنه أحد الوزراء رحمك الله رحمة واسعة لقد كنت نبراساً لنا.
وقبل أن يرحل بكل صفاته وإنسانيته كتب قصيدته المشهورة حديقة الغروب التي رثى بها نفسه وأثبت فيها حسن ظنه بالله وكانت أجمل ختام له في عالم الشعر والأدب هذه الأبيات:
يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به
عليّ.. ما خدشته كل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي
أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟
الزبدة
عظماء الرجال (جبال) لا تنقص الكهوف من شموخها.