علي الخزيم
لم يتفق القوم بالعصر الحديث كاتفاقهم على مرافقة كوب من القهوة مع تعدد المشارب والأذواق، فالمهم حضور القهوة في الحل والترحال قياماً وقعوداً، حتى من يمشي على قدميه لا تخلو إحدى يديه من قدح للقهوة لا تعلم إن كان مملوءًا أو فارغاً، فالمظهر الاجتماعي (بريستيج) بنظر البعض يتطلب ذلك، والتعبير بالقدح لأنه أكبر من الكأس؛ فهو ما يُسكب منه بالكأس، هكذا هي لغة العرب تُفَرِّق بين الكوب والقدح والكأس، وأغلب من أراهم من عشاق القهوة -حقيقة أو مظهراً- يبدو أنهم يفضلون الأقداح مبالغة بإظهار حبهم للمشروب العربي الأصيل.
لا تثريب على من يُفضل هذا المشروب الطيب بكل مسمياته ومذاقه وألوانه ودرجات حلاوته ومرارته وبرودته وسخونته، وكل هذه الاعتبارات لها قيمتها عند مواقع البيع، فمن يُضفي على بريستيجه عبارات من لغات أجنبية فعليه أن يُجَهِّز ضعف قيمة القهوة مقابل (التميلح) بالتحدث بتلك اللغة وإن كان لا يحفظ منها سوى تلك الكليمات (كافيه لاتيه) وأضاف لها (آيس سولتد كراميل) أو لوى لسانه يطلب: (إن كِغِيم غلاسيه) فإن السعر سيكون باهظاً، وهي نفسها التي كانت تقدم بمسماها العربي بربع تلك القيمة، غير أن فنون التسويق تسرق ريالات (المدرعمين) بالبهرجة وزخرف الكلام.
ومما يجلب الابتسام حينما تقرأ ببعض المدونات والمواقع من يقول إنني لا أقرأ إلا وفنجان القهوة السمراء بجانبي، فيمكن يا عزيزي أن تكون مُثقفاً حتى وإن تناولت أثناء القراءة خسَّاً وجرجيراً، وقرأت يوماً لتلك التي تقول: من (طقوسي) بالكتابة أن أحضر قدح (اكسبريسو) وأُضيء اللون الرومنسي الهادئ بغرفتي بعيداً عن المؤثرات المحيطة بمشاعري، ثم أرتشف وأكتب بانسيابية! ثم قرأت شيئاً مما كَتَبَت فرحمت القهوة وعذرت كل الأضواء الملونة.
كما أشفقت على القهوة حينما بُلِيت بِمُدَّعٍ للثقافة يزعم أنه رفيق القهوة وأنها مصدر إلهامه حينما أرسل مقالة لا تمت للثقافة والمعرفة بأي رابط، للمجلة التي كنت أعمل لها ووقَّعها باسمه مع تعريف بأنه: شاعر كاتب مثقف ناقد، ولم أكمل ووقَفْتُ عند (ناقد)؛ فكل الصفات السابقة يمكن تمريرها فكثيرون يرون أنهم كذلك، إنما ناقد فلن يمررها له الَّا كائن غير حي!
إذا كنت تزور أحد المستشفيات لموعد أو لمرافقة مريض تأمَّل بعض من يمرون أمامك لا سيما الشباب من مراجعين وممرضين وأطباء مبتدئين -مع الاحترام والتقدير لهم- غير أن القصد هو ملاحظة ولَعِهم بالقهوة فلا تخلو أيديهم من أقداحها، يقول صديق كنت برفقته لزيارة بالمستشفى: أجزم أن ثلاثة أرباع أكوابهم فارغة، إنما هو حب المظهر والتقليد الأعمى، والتبعية البلهاء لبعض الأقوام والمشاهير المدعين أنهم سُمَّار القهوة ومكتشفي أسرار تأثيرها على المشاعر والعقول، كلام يُروِّجه أصحاب المصالح من تسويق مسميات مُبْتَدعة للمشروب الشعبي، وهو مهما غيَّرت وأضفت إليه يبقى قهوة، وتباين الأذواق لا يعني أن تكون مثقفاً مبدعاً بمجرد تقمصك عشق الـ(دارك كافيه) و(الكابوتشينو) وأخواتها، هَوِّن عليك؛ فالقهوة يعرفها العرب منذ قرون مضت.