أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: لعل (فلسفة العدم هذه مفتراة على (الخيام) على الرغم من شطحاته الخرقاء؛ وإنما احتملت افتراءها لأنها لا تليق بموهبته التي عايشتها في (رباعياته) باتفاق عشرات الترجمات التي استعرضتها مع أخي (عبدالله الماجد) في كتابنا المطول الذي نشرناه بهذه الجريدة تباعاً، وقد أسلفت في الأسبوع الماضي مقطعين من تلك الفلسفة وإليكم المقطع الثالث:
[هب الدنيا كما تهواه كانت
وكنت قرأت أسفار الحياة
وحسبك بلغتها مئتين حولاً
فماذا بعد ذاك سوى الممات]
هذا كما أسلفت في الأسبوع الماضي لا نصيب له من الشاعرية، ولا من الفكر؛ وفي النهاية هو تكرار لما مضى في الأسبوع الماضي من كون الموت بعد الحياة فناء بعد إيجاد من عدم.. ثم أتى المقطع الرابع؛ وهذا نصه:
[رأيت عاقلاً على الأرض
متجرداً من الكفر والإسلام والدنيا والدين
والحق والحقيقة والشريعة واليقين
قل لي من في العالمين له هذه الجرأة؟]
قال أبو عبدالرحمن: لا غضاضة على المترجم (غسان حمدان) في هذه الترجمة الباهتة الخلية من أي معقول أو جمال؛ لأنه لا يملك الصياغة الأدبية العقلية من نص ليس له شواهد من مجموع ترجمات متألقة يشهد بعضها لبعض كما في الرباعيات بترجمات المتألقين جمالاً وفكراً.. وذلك المتجرد من كل الأشياء التي ذكرها في سياقه: ما علاقتها بالعدم؟!.. لا ريب أنه أراد أنه يعيش عدماً؛ لأن حياته لا تتصف بأدنى شيء مما يعتقده الحي.. هكذا أراد؛ والواقع أن هذا تجرد من كل موجود يتصف به الحي؛ فهو فناء عن الموجودات التي أوجدها ربنا من عدم، وقد سلف البرهان على أن الفناء ليس عدماً، ومدعي النص عن (الخيام) رافضي غير مؤتمن؛ وهو (كاذب ضلالت)؛ الملقب، أو المسمى: (صادق عنايت).. ثم أتى بعد هذا المقطع الخامس؛ وهذا نصه:
[هذا الفضاء الذي نسير حكى
فانوس سحر خيالياً لدى النظر
مصباحه الشمس والفانوس عالمنا
ونحن نبدو فيه حيارى كالصور ]
قال أبو عبدالرحمن: لن أكرر ما مضى عن التعبير الجمالي العقلي؛ فكتاب (كاذب ضلالت) كله من أوله إلى آخره على هذا النمط؛ وإنما المهم تشخيص ما يعنيه هذا النص؛ فالفانوس (السراج المنير): هو كل العالم التي نشاهدها؛ وهي ترد استيعاب النظر إذا حددناه عند بزوغها في حالة الصحو، وعندما ترمض الفصال إلى قائمة الظهيرة؛ وكل ذلك دعاوى كاذبة، فلا يؤثر في البشر من واقعه الذي يعيشه على نسق ما مر؛ ودعوى (الحيارى كالصور) إذن دعوى كاذبة.. ثم هب أن أحداً من البشر يسلّم بكل ما مضى عن الفانوس الذي رأيناه من العالم، والمصباح الذي هو الشمس: فليس هذا من (العدم) من قريب أو بعيد، بل هو تخيل بشري للفانوس والمصباح المخلوقين؛ فهذا هو فناء النظر عن حقيقة الموجود؛ والفناء ليس عدماً.. وبعد ذلك النص السادس كما يلي:
[إن كنت لا تفنى سوى مرة
فافن ودع هذا الأسى والشقاء
وكن كأن لم تحو ذا الجلد أو
ذا الدم واللحم وخل العناء]
قال أبو عبدالرحمن: هذا المقطع كما سبق عن الفناء؛ والفناء إذن ليس عدماً؛ وإنما هو فناء بعد إحياء؛ وإنما العدم الإحياء بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً، ثم قال في المقطع الأخير:
[ألا ترى ماذا نلت من هذا العالم ؟.. لا شيء
ماذا كان حصاد سني.. لا شيء
أنا شمع الفرح ولكن خبوت.. صرت لا شيء
أنا كأس جمشيد، وحين تهشمت صرت لا شيء]
قال أبو عبدالرحمن: كل هذا تكرار لما مضى عن الفناء لا عن العدم.. وبعد ذلك كله فذلك صد متعمد عن دين الله الذي بلغه أنبياء الله ورسله عن ربهم؛ وإذن فليس العالم لا شيء، ولا حصاد سني العمر لا شيء؛ بل كل ذلك هو الخلود السعيد في جنات النعيم يسعد بها من شحن حياته بالعمل الصالح خوفاً من ربه رب العالمين سبحانه وتعالى، ورجاء لما عنده، وكل ذلك النص مضموناً يليق بـ(الخيام)؛ ولكنه ليس من نسجه بيقين، لضعفه وهزاله نظماً؛ وأما (جمشيد) كما هو في (الشاهنامة): فهو في الأسطورة هو الملك بعد أبيه (طهمورث)، وذكروا إعداده السيوف وأنواع الأسلحة ... إلخ؛ وهو الذي أمر (الجن بنحت الأحجار ... إلخ ... إلخ.
قال أبو عبدالرحمن: هكذا انتهينا من افتراءات (كاذب ضلالت) إلى بعر هزيل نسبه إلى (الخيام) لا طعم له نظماً ولا فكراً، وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى مع مسائل أكرم وأزكى, والله المستعان.