سلمان بن محمد العُمري
من يَسَّرَ الله -سبحانه وتعالى- له الحج، وهيأ له أسبابه، يعرف يقيناً أن الإسلام دين المساواة الحقة التي لا تفوق بين غني وفقير ولا بين أبيض وأسود، ولا بين عربي وعجمي. فالجميع وفدوا لأداء ركن عظيم من أركان الإسلام، يرتدون رداءً واحداً في شكله ولونه. يعلنون العبودية، والتوحيد لله وحده لا شريك له في الربوبية والأولوهية والأسماء والصفات، يطوفون جميعاً بالكعبة، ويقفون جميعاً بعرفة في وقت واحد، وفي أيام محددة، يحلقون أو يقصرون، ويرمون الجمار معاً، هدفهم واحد هو نيل ثواب أداء هذه الفريضة العظيمة، والحج المبرور الذي يَجُبُّ ما قبله من ذنوب وآثام، لا يستطيع أحد أن يميز غنيَّهم من فقيرهم وهم في ملابس الإحرام بعد تجرُّدهم من متاع الدنيا وزينتها، ولا يستطيع أحد أن يبين عزيزهم من وضيعهم، وهم جميعاً يحنون رؤوسهم للحلق والتقصير طاعةً وقربى واستجابة لأوامر الله جل وعلا، لا فرق بين حاكمهم ومحكومهم وهم يرفعون أكف الضراعة والتوسل للواحد القهار طلباً للصفح والمغفرة والنجاة، حيث لا وساطة بين العبد وربه إلا العمل الصالح الخالص لوجه الحق جل وعلا.
هذه الصورة الرائعة نهديها كل عام للمتشدقين بحقوق الإنسان من المطالبين بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو أدعياء الديمقراطية ممن يطلقون سهام حقدهم أو جهلهم ضد الإسلام وأهله، ونقول: هل وُجد في أي ديانة أو نظام غير الإسلام مثل هذه المساواة التي لا تميُّز فيها بين مسلم وآخر على أساس الجنس أو اللغة أو العرق والطبقة أو المكانة الاجتماعية أو غيرها من الفوارق التي تعج بها أكثر الأنظمة الوضعية ادَّعاء وتشدقاً بالمساواة والحرية؟!
وربما كان من المناسب أن نهدي هذه الصورة الرائعة لأنفسنا معشر المسلمين أيضاً لنعرف مقاصد شريعتنا في تحقيق الأخوة الإسلامية والوحدة الإيمانية، وعلاج آفات الكبر والغرور، ونبذ عوامل الفرقة والشقاق؛ لأننا لو وعينا مقاصد الشريعة في الحج والدروس التي يجب أن نستفيدها من هذه الشعيرة العظيمة لاستطعنا -بإذن الله- أن نقف صفاً واحداً ضد مَن يريد ديننا بسوء وأمتنا بشر، ولامتلكنا من أسباب القوة ما يؤهلنا -بإذن الله- لتبوء مكانتنا كخير أمة أخرجت للناس، فليت أعداء الإسلام ينظرون ليدركوا حقيقة ما جهلوا، ويعترفوا بأن الإسلام رحمة لكل الإنسانية، وليتنا نحن أيضاً أمة الإسلام نتأمل لنعرف عاقبة تفريطنا في تعاليم ديننا، ونتلمس طريق الخلاص والرقي والنجاة في الدنيا، والفوز برضا الله -جل وعلا- في الآخرة.