عرض - محمد المنيف:
ست سنوات مرت على ما سطّره سعادة رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك مقدمة لكتاب من تأليف الزميلة سمر النصار الذي صدر عام 1432هـ. ومع ذلك ما زالت تلك السطور في المقدمة تحاكي الواقع؛ وقد يستغرب القارئ تأخيرنا في النشر إلا أننا حرصنا على يكون لها مناسبة تليق بها وهو دخول الصفحة عامة الأربعين والتي كان الأستاذ خالد المالك خلف إنشاء الصفحة في الجريدة كصفحة متخصصة عام 1400 حينما طلب منى أن أعد صفحة مستقلة عن بقية الفنون لمنح الفن التشكيلي حقه والذي كان يراه سعادته عوداً إلى ما لديه من متابعة لهذا النشاط الوطني. وأترككم للإبحار فيما جاء في المقدمة التي قسمناها على ثلاتة أجزاء دون تدخل حرصاً منا لما فيها من قراءة لم يتطرق لها أيّ كاتب متخصص في الفن التشكيلي، كونها أتت من متابع من خارج التخصص وهذا ما كنا في حاجة إليه لحيادية الطرح.
حيث يقول الأستاذ خالد: لا يوجد توثيق موسع وشامل لتاريخ الفن التشكيلي بالمملكة إذ إن كل ما تم تسجيلة وكتابته ووضعه في متناول الباحثين والدارسين لا يعدو أن يكون مقتطفات موجزة لمسيرة هذا الفن الذي تميزت به المملكة ولا تزال، مع أن هذا الفن يعود تاريخ الاهتمام به وممارسته وتدريسه وإقامة المعارض عن إنتاج الموهوبين والمتخصصين في مجاله إلى سنوات طويلة يتعذر معها بحكم قدمها إمكانية العمل على توثيقها.
ومع أنني لست ممن كان يعنى -ولا يزال- بهذا النوع من الفنون، إلا أنني كنت وما زلت مشدوداً إلى كثير من اللوحات التشكيلية لفنانين وفنانات سعوديين وسعوديات مبهوراً -بحق- بالفكرة وجودة الرسم والمعنى الذي ترمز إليه كثير من الأعمال الفنية التشكيلية التي أبدع رساموها تقديمها إلى جمهور كبير من متذوقي هذا الفن، وإلى أعداد غير قليلة من مقتنيي هذا الإبداع عالي المستوى الذى يستمد صوره ويستوحي مشاهده من البيئة ومن التاريخ.
وفي كل مرة أتوقف أمام لوحة معروضة في معرض أو منشورة في كتاب، حيث براعة الرسام السعودي وذائقته الفنية باستخدام الألوان، وحيث التمتّع بخيال خصب وفكرة رائدة، يكون انطباعي أولاً ودائماً عن ثقافته الواسعة، بأن مكنتني لوحته من خلال براعته في التعرّف على مخزونه الثقافي.. فالفنان التشكيلي مثله مثل الشاعر والقاص وكاتب النص الروائي، وكأيّ أديب مبدع؛ فهو إن لم يقرأ، ويستوعب بشكل جيد كل ما يقرؤه، فلن تكون موهبته كافية للاهتمام والتميز بأعماله الفنية التي يقدمها إلى جمهوره، بل إنها لن تغني دون تناغمها مع الأفكار التي ينبغي أن يستوحيها من بيئته ومن الثقافة الواسعة التي يتمتع بها؛ كي تعبّر في النهاية عنه كفنان أصيل ومثقف ومبدع.
ومن المهم كي تتسارع خطوات التطور الحالي لهذا الفن الجميل، ومن أجل أن لا تتوقف هذه الخطوات بما تم إنجازه على مدى أكثر من نصف قرن وإلى اليوم، أن تبدأ الجهات المختصة والمعنية بمثل هذا النشاط في مراجعة مسيرة هذا الفن وفق تصور تتعرف من خلاله على متطلباته وما يمر به من معوقات باتجاه تعزيز ما حققه من نجاحات للمضي به نحو الآفاق العالمية، والتأكد من أن ثورة الحماس التي بدأت لهذا الفن يجب أن تستمر، وألا يتوقف الاعتماد فيها على الجيل الأول أو الرعيل الأول من الفنانين التشكيلين فقط، وإنما يجب أن يتواصل احتضان هذا الفن والاهتمام بمن يكون موهوباً به جيلاً بعد آخر.
وبحسب متابعتي المحدودة، وقراءاتي المتواضعة عن هذا الفن والمبدعين في مجاله فقد رأيت الكثير من الفنانين قد توقفوا عن ممارسة هذا الفن وبعضهم -وأن مارسه- فإن ذلك يتم بشكل محدود، وكل هذا بسبب ما يشتكون من أن أحداً لم يعد يرعى مواهبهم ومجهودهم؛ حيث إنهم لا يلقون ذلك الاهتمام والرعاية والعناية التي ينبغي أن تتناغم وتتجاوب مع هذا التميز الذي لا يجهل أهميته أي أحد منا.
لقد كانت الوزارات والمؤسسات الحكومية تتسابق من قبل في شراء لوحات التشكيليين، وكانت الشركات والأفراد لا يترددون أيضاً في اقتناء بعض ما ينتجه وينجزه الفنان التشكيلي المتميز من لوحات إلى جانب ما كان يقام من معارض فنية لهؤلاء الفنانين وتوفير كل فرص النجاح لهم ولها في الداخل والخارج، وما إلى ذلك من حوافز مشجعة لاستمرار ممارستهم لهذه المهنة وتطوير مواهبهم فيها، غير أن الاهتمام والتشجيع لهم لم يعودا كما كان عليه في الماضي، فقد تحول الفنان كما لو أنه يقوم بهذه المهنة من أجل الاسترزاق، وهو ما لا يقبله، فمل منها وعزف عنها، وظل يعطي بشكل محدود، ودون أن يتفرغ لها ويطوّر أداءه فيها.
أقول هذا وأنا أعرف كم هو حجم المعاناة لدى هؤلاء الفنانين، لكني أدعوهم مخلصاً وصادقاً إلى عدم الانهزام أمام هذه المعوقات، لأن لوحة باسم أي فنان تشكيلي حين تحمل هوية المملكة وتعلق على حائط في دائرة حكومية أو في مقر شركة أو في منزل أسرة تحترم الفنان وتهتم به احتفاء بهذا الفن، هو اعتراف وتقدير وتقويم لهذا التميز الذي تتمتع به ريشة وفكر هذا الفنان أو ذاك، وهذا أبلغ ما يمكن أن يقال عن فنان مبدع حتى ولو جاء التقدير المادي الذي كان ينتظره للوحاته دون ما كان ينبغي أن يتم، على أن هذا لا يجوز أن يغيّب أصواتنا وأقلامنا من المطالبة بالمزيد من الاهتمام بكل فنان تشكيلي واحتضانهم ضمن منظومة عناصر التطور الذي بدا يمتد أفقه في بلادنا نحو كل المجالات، وفي ظني أن الفن التشكيلي لا يصح أن يستثنى من هذا الاهتمام، بل أجزم بأن خطأ كبيراً نرتكبه فيما لو لم نعطه حقه من الاهتمام.
هذا ما أردت أن أعبر عنه في بدء كلمتي التقديمية لهذا الكتاب (مسيرة الحركة التشكيلية السعودية.. النشأة والتطور)، تأليف الأخت والزميلة سمر النصار التي أحسنت الظن بي وأنا لست من أهل المهنة أو الاختصاص فدعتني لكتابة مقدمة كتابها، وقد أسعدني تصدي الأخت سمر لكتابة تاريخ هذا الفن، فأنا كما قلت في بداية هذه الكلمة لا أجد تاريخاً شاملاً وموسعاً عن مسيرة هذه الحركة الفنية، ولعل الأخت سمر في كتابها هذا تكون قد ألقت الضوء على شيء كبير من خبايا هذا التاريخ، وفتحت خزائنه الكثيرة، وتعمقت في أسراره، وتعرفت على بعض تفاصيله، وتوقفت في معظم محطاته، مع كل ما يتطلبه ذلك من استعراض للرموز والرواد والمشاهير الذين أبدعوا وتركوا إرثاً خالداً سيظل ذا قيمة كبيرة على مستوى الوطن.
* * *
الحلقة المقبلة:
* ماذا لو بقي معهد التربية الفنية مصدر رواد الفن التشكيلي السعودي..؟
* يجب أن يؤرخ لهؤلاء التشكيليين
* هذا الاختلاف يخل بالتصنيف وتحديد الريادة