مأرب - عبدالله الهاجري:
رحلة قصيرة بالطائرة مدتها 45 دقيقة بين شرورة السعودية، ومأرب اليمنية، تكشف الفرق بين الحياة والموت.. وبين الحرب والدمار، بين الأمن النفسي والاضطراب السلوكي..
هنا في مشروع إعادة تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين بالحرب في اليمن بمركز الملك سلمان للأغاثة والأعمال الإنسانية، تبدو الصورة أكثر وضوحاً، حيث تنخرط الفرق الطبية والتأهيلية في عمل مستمر لإخراج الأطفال الذين زجت بهم ميليشيا الحوثي في أتون الحرب، بدلاً من الفصل الدراسي. بدلاً من أن يحمل لعبة مثل كل أطفال العالم، بات الطفل اليمني عرضة للخطف والإغراء، واستغلال الحاجة، ليجد في يده بندقية، وفي جيبه قنبلة. وجوه الأطفال في المركز ارتسمت عليها البراءة التي خطفها الحوثي، فقد عادت الأمل لهم بالحياة، من خلال الانخراط ببرامج تأهيلية ونفسية لعلاج الاضطرابات والخوف والهلع الذي يعيشونه.
(الجزيرة) قضت في المركز عدة ساعات وخرجت بالتقرير التالي:
إلى مأرب
«الجزيرة» تنقلت بين الثكنات العسكرية والكثبان الرملية داخل مدينة مأرب في اليمن، كانت وجهتنا لمشروع إعادة تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين بالحرب في اليمن بمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وسط حماية أمنية مشددة انتقلنا من داخل مقر القوات المشتركة «التحالف»، إلى المركز، كانت المسافة تقريباً40 كيلو مترا، أنطلق الموكب بسرعة عالية، ضاعت المسافة وأنا أشاهد أهالي المحافظة، محلات تجارية متناثرة، كانت بينها محلات لبيع الأسلحة والذخيرة، «أبو حذيفة « لبيع السلاح، مكتوبة بخط اليد على واجهة أحد المحلات، نظرة سريعة لمحتويات المحل، أنواع عديدة من الأسلحة، هناك عدد من الأشخاص داخل المحل، واصلنا طريقنا وسط المواطنين الذين ينظرون إلينا، أطفال في كل مكان، مطاعم منتشرة، أشخاص يملأون الشوارع، سيارات قليلة مررنا بها، كان الوضع جيداً حتى وصولنا المركز.
داخل المركز
داخل المركز أطباء في استقبالنا، عدد من النساء المشرفات على علاج الأطفال، الأطفال بزي موحد داخل إحدى القاعات الدراسية، في المركز هناك التنظيم والاهتمام بالأطفال المجندين والمتاثرين، فصول دراسية وغرف تأهيل والتنويم المغناطيسي، وفي الدور الثاني يوجد السكن الخاص بهؤلاء الأطفال.
لقاء الأطفال
عند الوصول إلى المركز برفقة مسؤولين في تحالف دعم الشرعية، أتيح لي أن التقي الأطفال وأخاطبهم.. كنت أتذكر ابني سلطان الذي تركته في أبها السعودية، وأقول لنفسي الطفل يجب أن يبقى طفلاً بعيداً عن الموت والدمار وأصوات القنابل. لكنه إجرام الحوثي الذي لا ينتهي.
أول طفل التقيته كان وسيم عبده صاحب الأربعة عشر عاماً، الذي يقول إنه عندما التحق بالميليشيا الحوثية لم يعرف أين سيذهب، مبيناً أن مندوباً يعمل لمصلحة الميليشيا أغراه بالمال للمشاركة في الحرب. يقول: «كانوا يتنقلون بنا ليلاً حتى لا نعلم الوجهة خوفاً من أن نهرب، تم تدريبنا على السلاح وإطلاق النار، مكثنا فترات طويلة في انتظار ما وعدونا به من مال وفير».
يروي فتنهمر الدموع من عينيه الصغيرتين «تحولت الوعود إلى تهديد، وأرغمونا على العمل بين النار والدم، بين الجبال الموحشة والخوف» - يصمت.. فيسود الصمت الغرفة. يكمل الطفل حديثه بعد توقف: بقيت بينهم أكثر من شهرين، لم استخدم السلاح من قبل، تم تدريبنا عليها، لم يجدوا مني أي فاعلية ورغبة في قتل أحد، فتم تحويلي لأكون ضمن فريق الإمداد، حيث كان عقابي أن يحملوني الكثير من الأسلحة والذخيرة والمؤن، وأسير بها ليلاً لعناصرهم.
قصص مروعة
سمعنا الكثير من القصص على هؤلاء الأطفال، وعود الحوثي الإرهابي وإغرائهم بالمال الذي تحول بعد ذلك إلى تهديد لأي طفل لا يسمع ويستمع لهم، لم ينته الأمر في ذلك بل وصل الأمر إلى تلقين الأطفال معتقدات المذهب الحوثي وتوزيع الكتب عليهم مثل كتاب «صرخة في وجه المستكبرين» ونشر ثقافتهم «ولي الله حسين» ليصل الأمر إلى التحرش الفعلي بهؤلاء الأطفال.
200 ريال
مصطفى عادل، لم يصل للثانية عشرة من عمره، قال في حديث مع «الجزيرة» قام الحوثي بإعطائي السلاح وتم تدريبي وقمت بإطلاق النار على القوات الشرعية، قمنا بمباغتتهم وضعونا نحن الأطفال في المقدمة وطلبوا منا بإطلاق النار على الجنود الموجودين عند إحدى البوابات، واصلنا عملنا في الليل ومكثت معهم نحو خمسة أشهر وكان المقابل ما يقارب 200 ريال سعودي.
الأب والابن
فيما يحكي الطفل عبدالحميد عبدالله وهو واحد من الذين تم تجنيدهم وظل نحو عام كامل مع الميليشيا، أن السبب يعود لوالده الذي أجبره على الذهاب معه وحتى تم قتله، ويقول: كنت بالقرب منه، تم دفنه في تلك الليلة، شعرت بالكثير من القهر والحسرة، قررت مغادرتهم فوراً، مبيناً أنه لم يأخذ من الحوثي مبلغ بما يساوي 250 ريالا سعوديا طيلة العام.
188 طفلاً
ثم استمعنا لشرح عن إعادة تأهيل 188طفلاً حتى الآن، ويتواجد الآن 27 آخرون ملتحقون حاليا في البرنامج التأهيلي وسيتخرجون قريبا. وعن طريق عمل المركز يتم تأهيل الأطفال خلال شهر كامل وفق المعايير الدولية لإعادة تأهيل الأطفال بوجود إخصائيين نفسيين واجتماعيين .
سكن داخلي
يوجد في المركز سكن داخلي للأطفال مع توفير الغذاء المناسب والزي الدراسي والرياضي، كما يقدم لهم الأنشطة الثقافية والرياضيه والرحلات الترفيهية ومسابقات لاكتشاف مواهبهم، وبعد انتهاء البرنامج يتم متابعة التحاقهم بالمدرسة للحاق بنظرائهم ومتابعتهم لمدة ثلاثة أشهر لقياس مستوى استجابتهم مع توزيع حقيبة دراسية لهم وأجهرة آيباد. يستهدف المشروع أكثر من 2000 طفل من مختلف محافظات اليمن، ومن ابرز المحافظات اليمنية الذي تم إعادة تأهيل أطفال منها (مارب - الجوف -صنعاء -عمران - ذمار - حجة - تعز- الحديدة). ويعقد المركز دورات لأولياء أمور الطلاب وتوعيتهم بمخاطر تجنيد الأطفال وكيفية التعامل معهم مستقبلا.
غادرت المركز حاملا معي قصص الأطفال الأبرياء الذين زج بهم الحوثي، وجهود مركز الملك سلمان للإغاثة لإنقاذهم من ذلك، وكثيرا من الحسرة على وضع الطفل اليمني، الذي لن ينقذه إلا تحرير بلاده من الميليشيا الإرهابية، وعودة الشرعية والدولة إليه. وذلك أمل قريب عبر عملية إعادة الأمل التي حررت كثيراً من المناطق والمحافظات.
** ** **
تحالف دعم الشرعية: سلمنا 86 طفلاً لأهاليهم
قال تحالف دعم الشرعية في اليمن إن ميليشيات الحوثي مازالت مستمرة في تجنيد الأطفال وتعريضهم للهلاك.. وأضاف التحالف أنه سلّم 86 طفلاً جندهم #الحوثيون لأهاليهم في الفترة الماضية. وأكد التحالف على أن سلامة الأطفال اليمنيين أولوية، وكذلك ضمان عدم تجنيدهم في الحرب أو تأثرهم بها. وقال العقيد تركي المالكي المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن، إن الميليشيات تستغل الوضع المعيشي للأسر اليمنية كي تجند أطفالها، وأكد أنها ليست المرة الأولى التي يسلم فيها التحالف أطفال يمنيين جندتهم الميليشيات إلى ذويهم.
* * *
منظمات دولية: الحوثيون يستغلون الأطفال ويستخدمونهم دروعاً بشرية
تستخدم ميليشيات الحوثي الأطفال كدروع بشرية أو كمقاتلين بالأمر أو بالتهديد، أو كمقاتلين لتوفير قوت يومهم، أو باستخدامهم في التجنيد القسري وزرع الألغام أو استغلالهم جنسيًا وتغييبهم باستخدام عقار الهلوسة للزج بهم مغيبين في قتال لا ناقة لهم فيه ولا جمل. وقالت منظمة في تقرير سابق لها: إن الحوثيين، ومع اشتداد القتال في اليمن، صعدوا من عمليات تجنيد الأطفال واستخدامهم كدروع بشرية، كما أنهم يتعرضون لاعتداءات جنسية، فضلا عن إرغامهم علي تناول حبوب الهلوسة، ووفق تقارير «اليونيسف» فإن نسبة الأطفال في صفوف الحوثيين تصل إلى ثلث جميع المقاتلين في اليمن وأكثرهم لم تتجاوز أعمارهم 13 عاما، وبحسب المنظمة، فإن الحوثيين يبدءون بمنح الأطفال تدريبًا أيديولوجيًا على المذهب الشيعي الزيدي لما لا يقل عن شهر، ثم يعقبه التدريب العسكري في واحدة من قواعدهم، ووفق التقرير فإن الأطفال لا يتلقون أجرًا، لكنهم يحصلون علي الطعام والقات!
وقد اتهمت منظمة العفو الدولية «امنستي» ميليشيا الحوثي بتجنيد أطفال لا تتجاوز أعمار بعضهم 15 عاماً، وأنه جرى استخدامهم في «الخطوط الأمامية» في المعارك، مؤكدة أنها استقت هذه المعلومات من عائلات أطفال وقصّر جنّدهم الحوثيون في صنعاء.
* * *
باحث يمني: الحوثيون أكثر انتهاكاً لحقوق الأطفال ويستخدمون الخطب لتجنيدهم
قالت مؤسسة يمنية تعنى بحقوق الإنسان، أن ميليشيا الحوثي تستخدم الخطب لتجنيد الأطفال في المدارس وحثهم على القتال، كما تقوم تلك الميليشيات باقتحام المدارس في حجة وذمار وصعدة، وتزج بالأطفال على المناطق الحدودية لزراعة الألغام والتخابر والقتال في الصفوف الأمامية، لافتًا النظر إلى قيام حكومة المملكة العربية السعودية بإعادة تأهيل الأطفال الذين يتم القبض عليهم وتسليمهم للحكومة اليمنية.