د.مساعد بن عبدالله النوح
تعني ثقافة الاستعراض في هذه المقالة، الظهور المقصود، والمتكرر لأسماء معروفة في المجتمع أو في مجال اهتمام معين عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ لأغراض، كالتعريف بفكرة، أو آراء، أو اعتقادات، أو ممارسات تهم أفراداً محددين، أو تصحيحها، فتلجأ إلى تسجيل مقاطع فيديوهات، أو صور فوتوغرافية، أو رسومات، ونشرها مع مؤثرات فنية تخاطب عواطفهم.
وارتبط لدى العوام الاستعراض في أغلب مساحات مواقع التواصل الاجتماعي بكلمة الفاشينيستا، التي تعني «الشخص الذي لا يمشي على الموضة، بل ينسق أزياءه بنفسه بحسب ذوقه الشخصي، ولا يقلد الناس أبداً، بل يختار ملابسه حسب صيحات الموضة، وينسقها مع بعضها البعض؛ ليكون مميزاً بمظهره دوماً. ويعرضون بعض من تفاصيل حياتهم الشخصية، وكيف ينسقون أزياءهم وعنايتهم بجمالهم، وكلمة فاشينيستا تطلق على المرأة، وفاشينيست تطلق على الرجل. كما تعني الفاشينيستا شخص له ذوقه وحبه للموضة، وليس هنالك شرط أن يكون منسق أزياء، أو مصممها، أو له علاقة بمجال الأزياء. والفاشينيستا هي أسلوب حياة وليست وظيفة أو مهنة».
يجمع الكثير من الناس على تسمية هذا العصر بعصر العولمة، حيث الانفتاح على العالم بلا حدود ولا قيود بفعل تطور سريع في مجالي المعرفة والتقنية، لذا يحرص أغلب الناس من العوام وذوي التأهيل العلمي نحو السعي إلى الاستفادة من معطيات هذين المجالين، لكن الخوف يظل كامناً من العوام البسطاء أو الشكليين الذين يختلفون في أهدافهم من توظيف جديد المعرفة والتقنية لأغراض غير نافعة.
وشبكات التواصل الاجتماعي، هي واحدة من نماذج التقنية، وتوصف بأنها سلاح ذو حدين، فإن وظًفت إمكاناتها؛ لتحقيق أغراض عدة سامية، كانت وسيلة بناء، وتعليم، وتهذيب، وترفيه جميل، وإن فعلت هذه الإمكانات؛ لنشر النعرات القبلية، والعصبيات الاجتماعية، والأخبار غير النافعة، والشائعات ضد رموز المجتمع وقطاعاته الخدمية والإنتاجية، صارت أداة تضليل، وتدمير، والعياذ بالله. وهذا الوصف يرتقي لدرجة الفرضية، حيث إن الفرضية تتكون في ضوء قرائن محل ثقة، والتي تتمثل في نتائج البحوث والرسائل الجامعية والسجلات العلمية للمؤتمرات ذات الصلة بهذه الشبكات.
والواقع يشهد بتحقق الاستخدامين في وسائل التواصل الاجتماعي، على غلبة من الأغراض السيئة، التي قد تتسبب في مضيعة الوقت، والجهد، والاستفزاز، والاستعراض، والاستهبال، وبالتالي أظهرت سلبيات مسلكية في الحياة اليومية.
يؤيد المختصون في التصوير الفني أهمية الصورة، ولاسيما إذا كانت متقنة؛ لمبررات، ومنها: توفير مساحة حرة للإخبار، وتحسين الفهم، والتعبير عن الرأي، وتلاقح الأفكار، والتعارف، وتشير إلى دلالة معينة، وتوثق أحداث مهمة، كما قد تسهم في التضليل. ولذلك يسمى هذا العصر بعصر الصورة؛ لأن لها قدرة على التأثير الأبلغ من الكلام. فالمشاهد يركز على النص، ويقرأ الصورة. لذا لا بدّ أن يتنبه إلى المغزى وراء كل صورة يشاهدها، ويقف وقفةً جادّةً؛ ليتأكّد من مدى الثّقة في محتواها، وأن يحاول تحليلها؛ إذ إنّ ثقافة الصّورة تتعدى مجرّد الاستخدامات النّظرية لها، لتتحدث عن رسالة إعلامية، أو إعلانية مهمة وراء كل صورةٍ، وكل حدثٍ تمثله هذه الصور.
إن تنوع اهتمامات ومشاركات رواد هذه الشبكات من موضوعات جادة إلى موضوعات ترويحية أو ترفيهية مطلب لكل زائر لها، فمن صورة أو تعليق أو فيديو، يضيف معلومة جديدة أو يدخل بهجة على المتابعين من المحاولات الحسنة، التي تجني على صاحبها وكل مطلع عليها بالنفع والفائدة المستمرة، لكن عندما يتجاوز الأمر نشر فضائح، وشائعات، ومواد، وتعليقات، تتنافى مع أخلاق المسلم، بل مع الفطرة السوية، والتفكير السليم تكن هذه المحاولات مبادرات سيئة والعياذ بالله، تجر على صاحبها النقد وربما التجريح ويستمر ضررها على صاحبها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً» (أخرجه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» (أخرجه مسلم)، ويدل هذان الحديثان على شرعية إحياء السنن والدعوة إليها، والتحذير من البدع والشرور.
وقد تسببت أشكال الاستعراض الحالية في إشغال الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية والاجتماعية والاقتصادية والوظيفية ومن الجنسين، لدرجة أن أفراد البيت الواحد يجتمعون في غرفة واحدة، لكن كل واحد في وادٍ مختلف عن الآخر. يشاهدون تفاصيل مهمة من الحياة اليومية لمستخدمي هذه الشبكات، حتى حاولوا إقناع العامة من الناس بأهمية تحركاتهم، لدرجة أن شعائر التعبد لم تسلم، حيث يصور شخصاً وهو بالإحرام في الحرم المكي الشريف، وثاني يسجل مقطعاً لبره لوالديه، وثالث يصور شخصاً على السرير في المستشفى، والأدهى من هذه الممارسات هي نشر الشائعات والتهم التي تستهدف بث الفتنة وإسقاط الهيبة.
يزخر الأدب التربوي بالعديد من البحوث العلمية والرسائل الجامعية عن شبكات التواصل الاجتماعي أخلاقيات استخداماتها، وأغراضها، وخبرات دولية في ضبط مشاركات المستخدمين لها وغيرها من الجهود، وقد أشرفت شخصياً على رسائل جامعية عنها. ومن المؤسف أن تبقى نتائج هذه البحوث والرسائل حبيسة المكتبات المركزية في الجامعات ومراكز البحوث.
أعتقد أنه لن تفيد نتائج هذه الأطروحات المقننة، والمحاولات المجودة، والتوجيهات الأمنية سواء الخاصة بالمجتمع أم الخاصة بالشبكات، ما لم يكن للإنسان المستخدم شبكات التواصل الاجتماعي مجتمعة أو منفردة وازع ديني، وضمير أخلاقي، وإحساس بالمسؤولية، وعفاف، تردعه عن هذه الممارسات.
وكلمة شكر تُسطر بخط عريض لكل من دعا إلى معلومة جديدة، أو صحح خطأ في فهم، أو معتقد، أو سلوك سائد، أو أدخل بهجة على إنسان، أو ذكر بقصة فيها من العبر الشيء الكثير، وهدى الله كل من كان همه زيادة عدد المتابعين بلا هدف أو الكسب المادي...آمين