فضل بن سعد البوعينين
لم تكن المرة الأولى التي تتعرض لها الليرة التركية لأزمة حقيقية ناتجة عن تداعيات الاقتصاد؛ بل كانت عرضة لمتغيرات عاصفة نجحت الحكومة التركية؛ بدعم الأشقاء والأصدقاء؛ من تجاوزها.
كانت دول الخليج وفي مقدمها السعودية من أكثر الدول الداعمة للاقتصاد التركي والمساهمة في معالجة بعض أزماته الطارئة؛ من خلال الودائع المالية، والاستثمارات النوعية المحفزة للاقتصاد. يبدو أن الأزمة الحالية مختلفة عما كانت عليه الأزمات السابقة، فأصدقاء تركيا قلة؛ بعد أن أبعدتهم الإدارة السياسية الخاطئة التي انتهجها الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان». سياسة أردوغان العدائية جعلته وحيدًا في مواجهة عاصفة الاقتصاد وانهيار العملة المحلية التي أثبتت هشاشة الاقتصاد التركي وعدم قدرته على التحمل؛ بخلاف ما روج له الرئيس وحزبه؛ والمستظلون بظله من الاقتصاديين والمفكرين والإعلاميين المؤدلجين.
تختلف إدارة السياسة والاقتصاد عن إدارة الحشود الشعبية؛ فالسياسة تحكمها المصالح، ويدعمها الالتزام، وتبنيها الثقة، وتعمل على استدامتها العلاقات الإيجابية المشتركة؛ في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد تحقيق الاستثمار الأمثل للموارد ونجاعة الإدارتين المالية والنقدية الحصيفة، ووجود الأنظمة والتشريعات الكفؤة والعلاقات الوثيقة مع الشركاء الاقتصاديين؛ إضافة إلى الكفاءة في مواجهة الأزمات الطارئة ومعالجتها قبل أن تعصف بمقدرات الاقتصاد.
أحسب أن الرئيس أردوغان خلط؛ في إدارته أزمة الليرة؛ بين خطابه الشعبوي المعتاد وبين الخطاب السياسي والبرامج الاقتصادية ما تسبب في تداعيات اقتصادية ونقدية مدمرة يصعب تجاوزها؛ وتسبب قبل ذلك في توتير علاقات تركيا بأهم شركائها السياسيين والاقتصاديين وفي مقدمهم الدول الأوربية وأميركا، وأشقائها من الدول العربية وفي مقدمها السعودية.
ولعلي أركز على السعودية التي وقفت مع تركيا في أكثر من أزمة اقتصادية سابقة، وأسهمت في استقرار الليرة، ودعم الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات البينية، وفتح السوق السعودية للشركات التركية، وما زالت برغم ما طرأ على العلاقات المشتركة من فتور.
تلتزم السعودية دائماً بدعم شركائها، وحلفائها في المنطقة؛ ولا تتردد أو تساوم في تقديم يدها لمساعدة الأشقاء. فعلى الجانب الاقتصادي أسهمت المملكة في معالجة أزمات اقتصادية، مالية ونقدية في لبنان واليمن والأردن والمغرب وتركيا والبحرين وعمان؛ والتزمت بمواقفها المشرفة مع جميع الدول الشقيقة والصديقة دون مساومة.
كشفت أزمة تركيا عن أهمية العلاقات المشتركة السوية بين الدول؛ والعلاقات المتميزة مع أكثر الدول التزامًا، والتي لا تتردد في تقديم العون والمساعدة وإن اعترض المتربصون. بقيت تركيا وحيدة ومعزولة في أزمتها الحالية، حتى من حليفتها الغنية قطر، والتي يعتقد أنها أحجمت عن مد يد العون لها بأوامر أميركية، ما حمل بعض الصحف التركية على الخروج بمانشيت «قطر تخذل تركيا». أخطأ الرئيس أردوغان في معاداته الغرب والشرق، وتآمره على بعض الدول الخليجية ومصر، وأخطأ في معالجته الأزمة الحالية ما حمل وزير المالية ورئيس البنك المركزي التركي بأخذ زمام القيادة لطمأنة الأسواق والمستثمرين بوعود وبرامج اقتصادية ونقدية عملية أسهمت في تحسن نسبي لليرة؛ بعد أن تسبب خطاب الرئيس أردوغان الشعبوي في انهيارها إلى مستوى 7.5 مقابل الدولار الأميركي.