رمضان جريدي العنزي
العملاء مجرد عقول معطوبة في رؤوس مريضة، فوق أجساد عجفاء، تبينت بعد أن انقشعت الستارة، وقريْ النص، وسمع الصوت، وصاروا كأنهم أرض بور، لا البذر يصلح، ولا المحراث، ولن يكون هناك خراج، ولن يكبر الحقل والبيدر، العملاء يغفون تحت سدرة نائية، ثم يحلمون بالأشياء اللاممكنة، يتمتمون ببعض الكلام، نصهم غير مدهش، ولحنهم نشاز، وقصائدهم مبتورة، كلامهم لا ينمو ولا يتراكب، وسردهم غير واقعي، يشبه خرافة المتن والهامش، سلكوا طريقا غير سهل ولا ممتع ولا آمن وبه مهاوٍ، وأشجارهم قطوفها غير دانية، كلامهم طري، وغير متناغم، وغير ناضج، انسلخوا من بردة الهيبة، حتى صارت لهم خديعة جسد، وخديعة كلام، يتفلسفون، ويتحذلقون، ويحاولوا استبدال الكلام الواضح بكلام آخر مشفر، أكثر قسوة ومخاتلة ومواربة وغبشاً، رصعوا كلامهم بمفردة الرمز، يحسبون ذلك أهون لهم وأجمل، وحتى لا يشعرون باليأس والإحباط، نقحوا مفتتحات كلامهم ونهاياته بالبساطة!، فإن وجدوا أن هذا التشكيل المبسّط لا يفضي إلى حدث حتى وإن كان باهتاً، زحزحوه قليلاً ومروا عليه مرور العميان، وفكّروا في أمر ثان، وتدبّروا ما تيسّر في صدورهم، من أوشال لغة تخترع العصيان، يا هؤلاء كيف لمثلكم يغطس في حضن الرماد، ويحب لوطنه الهلاك والدمار ويصفق لكل من يستبح كل جميل وبهي فيه؟ لماذا أنتم مقمّطون بسواد باذخ، تغطسون إبهامكم في حلق الحياة لتسدوه، يا هؤلاء كأن مواقفكم وكلامكم تأويل رخيص لشيء ما؟ دعكم من هذا الهراء المدمع، لا يغويكم الشيطان والحكاؤون والدافعون والمصفقون، سيفر منكم صحبكم وخلّانكم وجلّاسكم وندمانكم، سيصبحون بعيدون عنكم عابرين في طرقات المدينة سيضحكون عليكم، سيجلسونكم فوق دكّة كبيرة أمام باب عتيق، ثم ينادوا بالرعاع، لكي يرجموكم بقاسي الحجر، يا هؤلاء لا تخونوا الوطن، ولا تفسدوا على الناس وده، أو تحرضونهم عليه، ولا تقولون ما لا يعتقدونه، لا تتمادوا في العبث، فقولوا كلاماً واقعياً، واهجروا الشيطان، اقتلعوا الشوكة، وازرعوا مكانها وردة، الوطن جميل، يملج وجهه بالبهاء، أركلوا كلامكم المتصحّر المتصخر فوراً، لا تكونوا كمن مسّه الجنّ، وتاه منه الرشد، وزاغت عنه الحكمة، فنسي الرقابة والرقيب والحسيب، الذي إن لم يجد من يخمشه خمش نفسه، وحنّى ظهره لسياط الجلاد، يا هؤلاء لا تخونوا وطنكم ومجتمعكم في كومة كلام مؤثث، أقترح عليكم أن تعودوا إلى كلام العقل والحكمة والمنطق، رتقوا ثقوكلامكم العتيق، واربطوا خيوطه، ورمموا شباكه، وما دمتم أبناء لهذا الوطن العامر القويم، وتنتمون له، وولدتم على أرضه، فيجوز لكم أن تعتذروا له، ويجوز لهذا الوطن الأبي القبول، أنزلوا قليلاً من عاج كلامكم، واهبطوا شطر المتاح، أرسموا مفردة حالمة جميلة، ولا تذهبوا صوب الخديعة، أهربوا من صنف الدسيسة، ورمموا ثقوب الحكاية، بعيداً عن التفخيم والتضخيم والتأويل والتخويف والإرجاف، في الشأن المتصل بإطلاق الكلام ولصق الألقاب والخصال وتكبير الأحداث وتأويلها، لا تجعلوا صوركم في الأذهان أكثر تعقيداً، بسبب من التشظّي الصوري، والانثيال البطر، أمسحوا من ذاكرتكم مقاطع الخرافة وتقنية التغبيش والتضبيب والعداء، يا هؤلاء الوطن عظيم ومهم وثمين أنتجكم حتى أخذتم بالفصاحة تصيحون، هيؤوا أنفسكم للاعتذار، واضغطوا عليها، وأطلقوا لغة الكلام الجميل، وقولوا كلاما محكماً مسبوكاً، ذيلوه بحب الأمة والوطن والأرض، واتركوا المناداة بالخراب والظمأ والشتات ومصاحبة الغراب والثعبان والعقرب.