م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. المقصود في هذه المقالة هو الشخص الذي إحدى سماته الشخصية أنه مكتئب وليس المعْنِيُّ المريض المصاب بالاكتئاب ويمكن علاجه.. فالمكتئب نقيض النرجسي.. وبقدر ما يرى النرجسي في نفسه بقدر ما لا يرى المكتئب في نفسه.. سواء في الصفات الجسدية أو الشخصية أو النفسية أو المجتمعية أو الصحية أو التعليمية أو المهنية أو العائلية.. أي أن النرجسي في طرف يقابله المكتئب على الطرف الآخر تماماً.
2. المكتئب لديه شعور نفسي دائم بالضيق والسأم.. والخوف من الغد وانعدام الثقة بالنفس وبالمحيط.. فهو متوجس مذعور ينظر إلى الأمور من زاويتها البائسة التعيسة.. محطم النفسية مهمل الهندام والنظافة.. يهين نفسه قبل أن يهينه الآخرون.. فلا يرى لها حقاً ولا مجالاً.. ويرى أن كل من سواه أحق وأجدر وأفضل منه.. تلازمه مشاعر الذل والهوان.. إنه باختصار يكره نفسه.
3. التربية في الصغر هي حجر الزاوية في تكوين شخصية المكتئب.. فالإذلال والإهانة التي قد يتعرض لها الطفل في صغره تشكل شخصيته المكتئبة في كبره.. وإذا كانت طفولة النرجسي اتصفت بالتدليل فإن طفولة المكتئب قد تعرضت لمواقف عصيبة وصنوف من العقاب المذل الموجع الذي يحطم النفسية.. فيغرق الطفل في حالة من الزهد في كل لذة ورفض كل جمال.. والاعتراض على كل تغيير والخوف من الغد.
4. نتيجة لتلك التربية القمعية المذلة التي عاشها فهو لا يفكر تلقائياً كيف يكبر وينمو ويظهر وينجح ويستمتع.. بل يفكر كيف يهدم كل وسيلة للحركة أو فرصة للنمو أو مكان للاستمتاع.. ويرى في الابتسامة والفرح نذير شؤم سوف يتلوه شر فيتوجس خيفة ويتعوذ منه.. وتصبح حياته مرهونة بآراء الآخرين ورغباتهم وليس لما يراه ويرغبه.. ويرى في المهانة والتعب والكلفة على النفس نوعاً من الخشونة المميزة للأشخاص الجادين.. فيرى في القسوة صرامة ويرى في الإهانة عدم مجاملة.. إلخ.. فالمكتئب مضطرب نفسياً مشوش سلوكياً على كل المستويات.
5. المكتئب فاقد للأنا.. فهو ليس أنانياً بل لا يرى لنفسه حقاً ولا طولاً ولا رأياً ولا وزناً.. يعتريه شعور رهيب بالنقص والدونية.. فهو يحطم أي شيء في نفسه أو حوله قد يرفع من معنوياته أو يؤدي إلى الارتقاء بمستواه.. المكتئب يرى الحياة عديمة القيمة.. لا طعم لها.. وبالتالي فهو في حالة رفض دائم لهذه الحياة.