محمد آل الشيخ
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو في رأيي رئيس يسعى بكل قوة إلى إعادة أمريكا العظمى إلى ما كانت عليه، قبل أن يدخل البيت الأبيض الرئيس أوباما، الذي كانت له اليد الطولى والقدح المعلى في إضعاف أمريكا وفقدان هيبتها طوال الثماني سنوات التي قضاها متربعا على قمة الرئاسة في أمريكا. أردوغان رئيس تركيا يبدو أنه لم يستوعب أن ترامب ليس أوباما، وأن تحدي هذا الرئيس هو بمثابة ضرب من ضروب الاستخفاف بالمعايير السياسية الأمريكية الجديدة، لذلك أقدم على اعتقال قس أمريكي واتهمه بالإرهاب، وجميعنا يعلم أن القضاء في تركيا أردوغان ليس سلطة مستقلة، فقد استطاع بعد الانقلاب المسرحي المزعوم أن يضمه لسلطته، وأصبحت تركيا مثلها مثل قضاء أي دولة من دول العالم الثالث؛ فاعتقل النخب التركية، سواء كانوا معارضين سياسيين، أو قضاة أو عسكرا أو مثقفين أو صحفيين أو كتابا، وإيداعهم السجون، استفز كل دول العالم الحر، وأخيرا استفز بفعلته الأخيرة أمريكا، التي هي أقوى قوى العالم، ولها علاقات عسكرية، واقتصادية، واستراتيجية مع بلاده، ولأن أردوغان حاكم (شعبوي) بالمعايير السياسية، يراهن على الشعبوية، وإرضاء الجماهير، وليس النخب المتعلمة والمثقفة، فصار يُعامل أمريكا بندية، دون أن يقرأ بعقلانية إمكانيات تركيا المتواضعة تجاه أمريكا، التي لديها القدرة، علي سحب البساط من تحت قدميه اقتصاديا، ما يجعلها عارية ومرتعشة في دولة لا تملك من الموارد الطبيعية إلا سواعد شعبها، وهذا الشعب ينتج ليُصدر، وإذا أصبحت السلع التركية تكتنفها ضرائب جمركية، فإن قدرتها على المنافسة تتضاءل، بسبب أسعارها الباهظة وغير المنافسة.
ترامب أعلن ان العلاقات بتركيا ليست على مايرام، وأنه اعتمد ضرائب تصل إلى 50% بالنسبة لصادرات الصلب لأمريكا، و20% على صادرات الألمنيوم، وبمجرد أن أعلن ذلك في تغريدة له في حسابه عبر تويتر، ارتفع سعر صرف الدولار رأسا بالنسبة لليرة التركية إلى ما يقارب العشرين في المائة في نفس اليوم. وهذا بالطبع لا يؤثر على السياح، وإنما على الأتراك، وبشكل يزيد بسببه معدلات التضخم إلى مائة وسبعين بالمائة وربما أكثر، ناهيك عن الأثر النفسي الذي عادة ما يواكب هذه الانهيارات في العملة المحلية.
وهذه مشكلة المتأسلمين، فهم دائما ما تغريهم الشعارات التي تصفق لهم بسببها الدهماء وتتضرر منها النخب وعلى رأس هذه النخب التجار ورجال الأعمال. فالحكام الديماغوجيون غالبا ما تكون نظرتهم قصيرة، فيُقدِمون على قرارات يصفق لها أصحاب الشعارات، لكن إذا تم قياسها قياسا موضوعيا بمقاييس العقلانية، والأرقام التي لا تجامل أحدا، تجد أنها أقرب إلى استنسار البغاث التي حلمت أنها نسورا، فصارت تمارس دور النسر. ومن قرأ تصرفات المتأسلمين يجد أن هذا الدور كثيرا ما يمارسونه، سواء كانوا سنة أو شيعة، وليس دور خامنئي، وقبله الخميني، وعلوج طالبان، عنا ببعيد.
صحيح أن تركيا أتاتورك، مازالت تملك نخبا عقلانية، ولها تأثير ضاغط إلى حد ما على كبح جماح ممارسات أردوغان، بالشكل الذي يجعلها تختلف عن لا عقلانية إيران، ولا موضوعيتها، إلا أن هذه الخطوات غير المحسوبة جيدا ستنعكس على (ثقة) المستثمرين الاجانب في تركيا، مما يمهد على المستوى المتوسط والبعيد الى سقوط أردوغان في المحصلة النهائية.
إلى اللقاء