د.ثريا العريض
مع برنامج رؤية التحول, التي أجزم أنها ستسجل كتجربة تقتدى في تاريخ بناء الأمم, بريادة وجرأة على الفعل الجذري, فوق ما يرضي الفئة المتطلعة لمعالجة تفاقم معاناتها, بخطابات إنشائية مسكنة للآلام آنياً, حققت المملكة قفزات واضحة في إعادة الاعتدال والتوازن الحقوقي للمجتمع. لعل أهمها اعتماد الإنتاجية والوسطية وحقوق المرأة وتمكينها. بحيادية علمية أرى رغبة السيدات المؤهلات المشاركة في صنع القرار الوطني توجه بنّاء إيجابي حين لا يتعايش مع أسلوب الهدم السلبي, وأتفهم أنها رغبة طبيعية يجب أن تشجع إلا إذا أخفت تحت تبرير الصالح العام شبقاً فردياً للظهور الصاخب إعلامياً في دور المنقذ. وأوضح لست مع فكرة التبعية والتكمم المطلق, ولكني ضد فكرة الصخب إعلامياً في منابر الخارج وإنشاء صلات مشبوهة مع جهات خارجية تحت أي مبرر, ناهيك بتقبل الدعم المادي والمعنوي واستعدائها على استقرار الوطن.
وقد أتيحت لي في أول اجتماع لإعلان برنامج رؤية التحول، فرصة لم أخطط لها للمشاركة بمرئيات في ما يختص بحقوق المرأة عندنا، وجاءت بنتائج إيجابية حين التقيت وجهاً لوجه مع معالي وزير العدل, الدكتور الصمعان, وتطرق الحوار معه إلى شرح ما تعانيه المرأة في معادلة أعراف المجتمع وما تفتقده في الإجراءات المعتمدة، وما تحتاجه من وزارة العدل والمؤسسات العدلية والقضائية, وبإمكان الوزارة استحداثه لتقدم للمرأة وطناً تشكره يضمن لها الأمان وفرص ممارسة حياتها دون معوقات إجرائية أو عرفية. وكان حواراً إيجابياً مشبعاً بالمشاركة والرضا عن المناسبة التي سمحت بالمساهمة في إعادة تصميم البناء المجتمعي المائل. قيمه بعض الزملاء لاحقاً بأنه كان تبادلا بنّاءً للأفكار, استفاد منه كل من حضر على مائدة الحوار، ورأينا له إثماراً إيجابياً في القرارات اللاحقة الصادرة من وزارة العدل في مبادراتها ضمن إطار تفعيل الرؤية.. ولمعاليه الشكر على الإصغاء والتقبل والاهتمام والتفعيل للمقترحات.
مثل هذه التجربة الإيجابية تفتح مجالاً لتأمل فضاءات نقية ممكنة, ومطلوبة للنظر في الدور المرغوب للمرأة, تقوم فيه بعطاء فعلي بالمساهمة بمعرفتها وتضع طاقاتها ومهاراتها ومؤهلاتها التخصصية في تأمين استقرار ونماء الوطن.. حتى لا يكون البديل أمام طموحات المستنفرات للفعل أن تضيع هذه الطاقات في معارك برايات سرابية، وصخب معارك دونكيشوتية يزج بها فيها كارهو استقرار الوطن وذوو المصالح الخاصة مقابل تصفيق مسموم وأبهة متوهمة.
يقودني هذا التأمل إلى استنتاج جاء بعد حوار عفوي مع شابة مؤهلة تقود مؤسسة وطنية اقتصادية تطوعية كبرى: نحتاج إلى خبيرات مختصات مؤهلات بالتجربة ليكنَّ قدوة في اتخاذ القرارات الحيوية وتثبت قدرة المرأة على العطاء. استنتاج اتفق معه وتدعمه تجربتي على امتداد سنوات من تقديم المشورة لمؤسسات وطنية حكومية وخاصة، وتقديم المشورة للشباب والشابات حول تنظيم أولويات الحياة وخطوات المسيرة المهنية والأسرية.
لقد حققت رؤية التحوّل الكثير من الإيجابيات في حياتنا بريادية وجرأة, ربما لم يواكب منجزاتها وإثمارها تقييم الإعلام الخارجي, الذي تشده الإثارة واستثارة الصخب حتى الحيادي منه. ولا أتاح زمنها القصير أن يقيمها المتخصصون في متابعة أداء المشروعات الاقتصادية والاجتماعية التي تكون عادة طويلة المدى لتتضح ثمارها. ولكن الأهم من التقييم الخارجي هو أننا كمواطنين نعي قيمتها وندرك أهمية المساهمة الفردية ودعم هدف استدامتها.. كلٌّ بما يستطيع.. واستثني من ذلك الإفراط والإسفاف.
وربما الخطوة المطلوبة التي نتطلع إليها الآن؛ وأتمنى من القيادة أن تفعّلها هي إنشاء هيئة رسمية مختصة بشئون المرأة تحقق حضورها ضمن التشكيل القيادي, تشارك في صنع القرار بأعلى مستوى وتساهم بإثرائه بمعرفتها المتعمقة في تفاصيل متطلبات السيدات والأسر, وتنظر في كل جوانب احتياجاتها وتعالج التقصير المجتمعي والتنفيذي إن وجد لها. وبذا تكون كل قدرات القياديات الطموحات ضمن إطار بناء الوطن واستدامة الأمن والاستقرار. والأهم لا تحتاج الطموحات لاستجداء الصخب الخارجي.
لسنا مجتمع ملائكة، ولكننا قادرون على تنظيف ساحتنا من السوس بفعل إيجابي ممنهج تحت راية التكامل الوطني الداخلي؛ لا بصخب فوضوي عقيم.