أ.د.عثمان بن صالح العامر
يوم الجمعة الماضي بدأت هذه السلسلة الخماسية على إثر البيان الصادر من وزارة الخارجية يوم الأحد 23/ ذي القعدة/ 1439هـ وما تبعه من إجراءات وقرارات حازمة حاسمة من قِبل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظهما الله ورعاهما - وفي وقت قصير ردًّا على ما صدر عن وزيرة الخارجية الكندية والسفارة الكندية في المملكة بشأن ما أسمتهم الحكومة الكندية (نشطاء المجتمع المدني). وتحدثت في المقال السابق عن مفهوم السيادة والحق الطبيعي لدول العالم في الحصول عليها على قدم المساواة. واليوم أعرج على ما تمارسه بعض الدول (العظمى!) مع البعض الآخر من الدول القابعة فيما يعرف بدول العالم الثالث، من خداع لشعوبها بالألفاظ المحببة للنفوس، والتلاعب بها، وتوظيفها توظيفًا سلبيًّا للنَّيل من سيادة هذه الدول، وربما بث بذور الزعزعة فيها، وعدم الاستقرار. ولو تتبعنا إشكالية المصطلح السياسي وضبابية البعض من الشعارات التي ترفع لوجدناها ملازمة للتدخل الغربي السافر في العالم العربي منذ عهد ما سموه بـ(الاستعمار)، وهو في الحقيقة خلاف ذلك، إلى (نشطاء المجتمع المدني)، مرورًا بالتبشير والفائدة و... وصولاً إلى أكثرها تضليلاً وتدجيلاً، ألا وهو مصطلح (حقوق الإنسان)!
إن كثيرًا من الأحداث التي حدثت في عالمنا العربي قديمها وحديثها، صغيرها وكبيرها، كانت شرارتها الأولى ووقودها الدائم الاختراق السياسي الموجَّه والمدروس، سواء كان هذا الاختراق عن طريق السفارات والقنصليات، أو الرحالة المستشرقين، أو المهجرين المستغربين، أو غيرهم بطريقة سرية أو علنية، واستمالة سقط المتاع في هذه الدول القابلة للاختراق ممن يكون الولاء عندهم لأوطانهم ضعيفًا، وثقتهم بحكامهم مهزوزة،واعتقادهم بقدرة أشخاصهم على التأثير المجتمعي مرتفعة.. وفي المقابل الولاء عندهم لهذا البلد الغربي الذي يوفر لهم الخدمات اللوجستية الخاصة التي لم تكن في حسبانهم يومًا ما، ويمنحهم المال والشهرة، ويدغدغ مشاعرهم بالوعود المستقبلية المعسولة الكاذبة.. وحتى لا يكون ما أقوله هنا مجرد كلام مرسل لا دليل عليه من الواقع المعيش.. أعيدوا صفحات التاريخ قليلاً، وقفوا عند ما نُعت زورًا وبهتانًا بالربيع العربي! كيف بدأت الثورة في تونس.. مصر.. وإلى أين آلت الأمور!؟ لذا فإن بلادنا المتنبهة لكيد الأعداء الواعية ببواطن الأمور وخفاياها أدركت أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك تحركًا مشبوهًا لزرع طابور خامس داخل جسد الوطن المتراص، وتقوية هؤلاء المزروعين، ودعمهم، والدفاع عنهم، وإضفاء الشرعية عليهم، والتسويق لهم، ومباركة خطواتهم الأولوية الخبيثة؛ فكان منها الحزم الذي لم يكن في حسبان كندا وغيرها ممن تعودوا على أن يكون التحرك من قِبل حكومات الدول في مثل هذه الأحوال تحركًا دبلوماسيًّا استجدائيًّا طويل المدى، معدوم الأثر، وعلى استحياء وخجل خوفًا من أن توصم الحكومة بأنها تقف في خندق المهتمين بسلب الإنسان حقوقه التي منحته إياها الهيئات العالمية، ووقّعت على مذكراته الدول السيادية وغيرها من باب أولى!!!
لقد لقنت المملكة كندا درسًا قاسيًا، وعته غيرها من الدول؛ فما كان من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن توجه رسالة لرعاياها في بلاد الحرمين الشريفين، تقول فيها: «كل من يقيم في السعودية خاضع لقوانينها وأحكامها، وإذا قمت بمخالفة القانون السعودي وتم القبض عليك فلا يمكن للسفارة أو الملحقية الأمريكية إخراجك من السجن، ولكن سنقوم بزيارتك، ومتابعة قضيتك أثناء احتجازك).
صدقوني.. وصلت الرسالة التي أرادت حكومتنا الحكيمة الواعية بطبيعة المرحلة وتجاذباتها إيصالها للعالم كله، ولا أدل على ذلك من هذا التحذير الذي لم يكن بالإمكان صدوره من قبل بهذه الشفافية وهذا الوضوح غير المعهود؛ فنحن في زمن لا يُحترم فيه إلا الأقوياء.
إنَّ من مَواطن الفخر والاعتزاز للمُواطن السعودي أن يستشعر العزة، ويستلهم القوة، ويعي حجم بلاده الحقيقي؛ فموقف واحد منه بدَّل موازين القوى، وجعل العالم كله ينصرف لتحليل وتشخيص الآثار المترتبة على هذا القرار السعودي المنصف الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال نقده أو نقضه من قِبل منصف محايد لقيامه على أسس قانونية صحيحة، وأعراف دولية صريحة.. فنحن في المملكة العربية السعودية لا نخدع، ولكن لا نقبل مِن كائن مَن كان أن يخدعنا، لسنا (خبًّا) ولا يمكن (للخب أن يخدعنا). حفظ الله قيادتنا، وأعلى كلمتنا، ودمت عزيزًا يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.