د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
تشير إحصاءات الهيئة العليا لتطوير الرياض إلى تزايد أيام الغبار على مدينة الرياض من 8 أيام في عام 1982 إلى 60 يومًا في عام 2016، ثم 73 يومًا في عام 2017م، وإلى 83 يومًا في عام 2018م، وهذا مسار تصاعدي خطير مثير للاهتمام ويستوجب الدراسة. فالغبار ظاهرة بيئية خطيرة على الإنسان والبيئة، وقد يغير البيئة الفطرية في البلاد بشكل كامل. ولا يعرف أحد السبب الحقيقي لتزايد هذه الظاهرة التي عزاها البعض لغضب إلهي، والبعض الآخر لتلاشي الغطاء النباتي نتيجة للرعي الجائر، وهناك أيضاً من عزاها لحرث الأرض بالمعدات العسكرية جراء الحروب المتابعة في البلدان المجاورة. والأمر المؤكد هو عدم وجود دراسات علمية تتأكد من سبب أو أسباب تزايد الغبار في أجوائنا على هذا النحو.
وسبق وعطلت ظاهرة الغبار الكثير من الفعاليات الاجتماعية والترفيهية في كثير من المدن، وتسببت في تعطيل الدراسة في مدن أخرى، وأغلقت كثيراً من الطرق التي تعبر صحراءنا الشاسعة نتيجة لزحف الرمال عليها. وقد اختفت معالم كثيرة من صحرائنا تحت طبقات الغبار. والزراعيون يعرفون أن الغبار مضر بالزراعة لأنه يغلق مسامات أوراق الشجر التي تتنفس منها فيعيق نموها أو يميتها.
كما سير الغبار فواتير الكهرباء بعكس رغبة شركة الكهرباء وعكس إرادة المواطن بالاقتصاد في الاستهلاك لأن الغبار أجبر المواطنين بالبقاء أسرى لأجهزة التكييف في منازلهم خوفًا على صحتهم. وأثر الغبار على أجهزة التكييف ذاتها بحيث أغلق مسامات الهواء في فلاترها وأحالها إلى أجهزة قليلة التبريد كثيرة التلويث وغير ذات كفاءة اقتصادية. أما أفنية المنازل وأحواشها فقد تحولت لبحيرات من الغبار تتطلب التنظيف الكامل والمستمر مما يستنزف كثيراً من الماء. وربما يكون المستفيد الوحيد من ظاهرة الغبار مغاسل السيارات، والصيدليات التي تبيع أقنعة الغبار، أو المستوصفات التي تبيع جلسات أجهزة «الفنتولين» بمئات الريالات.
بالطبع لا مسؤولية تقع على أحد في تكاثر الغبار وتكاثفه، فهو ظاهرة طبيعية يعجز الإنسان في الوقوف أمامها مثلما عجزت الجيوش الجرارة لألمانيا العظمى من الوقوف في وجه «الجنرال ثلج»، كما أسموه فيما بعد، عند غزوها لروسيا إبان الحرب العالمية الثانية، حيث تسبب الثلج والجليد في هزيمة الجيش الألماني أثناء غزوه وأثناء انسحابه. ولم يتسبب الثلج في تعطيل حركة القوات الألمانية فحسب بل قطع خطوط المؤن عنها أيضاً واضطر الجنود الألمان لحرق كل ما هو قابل للحرق في حوزتهم من أجل التدفئة. وبالطبع لا وجه مقارنة بين الأثر السريع للثلج على حياة الناس وأثر الغبار على حياتنا، إلا أن الظاهرتين تسهمان بشكل كبير في رفع استهلاك الطاقة إما للتدفئة أو التبريد.
عند تزايد سقوط الثلوج أو الأمطار على الأمصار بشكل يتدخل في مسار حياة الناس تسارع الدول لتخفيف ذلك بإجراءات كثيرة منها تقديم مساعدات عينية وفورية للمواطنين للتغلب عليها. كم تكثف أنشطة التوعية المجتمعية بكيفية التعامل مع هذه الظواهر الطبيعية التي قد ترقى أحيانًا لحد الكوارث. وهناك عادة مراكز لمراقبة هذه الظواهر والتنبؤ بحدوثها لتبيه الناس على أخذ احتياطاتهم منها. وهذا جهد تقوم به الهيئة العليا لحماية الأرصاد، ولكننا نحتاج لأجهزة توعية أخرى بكيفية تنظيف الغبار، وكيفية تنظيف أجهزة التبريد بشكل مستمر. وللأسف لم ينتبه شبابنا لهذا الجانب لأنهم لو فعلوا لأصابوا خيرًا كثيرًا من عمليات تنظيف مكيفات المنازل وصيانتها.
ولا شك أن الغبار المتتابع الذي يتزايد كل عام يتطلب دراسات علمية في مراكز الأبحاث والجامعات، وأقسام الزراعة والجغرافية المناخية التي ما زال بعضها يدرس الجغرافيا القطبية والمدارية. نحتاج لدراسة أسباب تكثف الغبار وزيادة فتراته، كما نحتاج لدراسة آثاره على البيئة الطبيعية والمدنية. ونحتاج أن نأخذ الغبار بشكل جدي في تصميم منازلنا مستقبلاً إذا ما تأكد لنا احتمال تزايد هذه الظاهرة في المستقبل بهذا الاطراد المخيف. فالغبار حتى اليوم في عام 2018م حاصرنا لمدة 83 يومًا من 240 يوماً تقريباً أي بمعدل يفوق 30 %. نسأل الله أن يخفف عنا الغبار وأن يرفع الضر عن المواطنين وأن يحميهم ويحمي أطفالهم، ونتمنى أن تأخذ هذه الظاهرة حقها من الاهتمام للحد منها ومن ضررها.