عبد الله باخشوين
** في ملاحظة أولية حول النشاط السياسي العربي خلال (القرن العشرين).. نجد أن (العمل الحزبي) لم يكن عملاً (وطنياً) كما هو الحال في معظم الأحزاب والحركات السياسية الغربية ذات المنشأ والطموح والأهداف (الوطنية).. حيث تنشأ نتيجة لتفاقم (إشكالات) محلية ووجود حلول لا تقبل السلطة المحلية الحاكمة بتبنيها.. فتتشكل الأحزاب كتكتل وطني ينتزع حق (المعارضة).
أما الأحزاب السياسية العربية فقد نشأت وفق تصورات (شمولية):
- حزب البعث العربي الاشتراكي حركة عربية شمولية تقول بوحدة عربية شاملة.
- الأحزاب الشيوعية تتبني فكرة الأممية العالمية.
- الإخوان المسلمون تبنى الفكرة الشمولية للدين الإسلامي،
كل هذا واكب نهايات (الدولة العثمانية) وربما تعتبر مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي نشأت بها أحزاب وطنية محلية التوجه والأهداف فيما عدا حزب الإخوان المسلمين.
أما الأحزاب (الشمولية) التي أشرنا إليها فهي أحزاب (مخترقة) من الخارج.. ومدعومة ماديًا ومعنويًا من جهات (غربية) و(شرقية) على السواء، منها (الاتحاد السوفياتي) بالنسبة للحركة الشيوعية.. وأمريكا وفرنسا وبريطانيا للأحزاب والحركات الأخرى.. وبحقائق أصبحت معروفة وموثقة ولا يجهلها أحد..دون أن ننسى (الحركة الناصرية) ودعمها وتدخلها في شؤون معظم الدول العربية.
غير أن نهج (الانقلابات) الذي تبنته هذه الأحزاب ونجاحه في الوصول بها إلى السلطة.. أو الاقتراب منها كحال (الإسلاميين).. وشمولية (دعواها) جعل هذه الأحزاب - في السلطة - مخترقة من قبل أجهزة الاستخبارات العربية ودون أي تحفظ في معظم الأحوال.. يدعم هذا لهفة هذه الأحزاب لضم أي أعداد من مختلف أنحاء البلاد العربية حتي تتمكن من وضع (شعاراتها) على أرض الواقع بالنسبة لفكرة (القومية العربية)..وجعلها (خارقة) -إن صح التعبير- لأعلى أجهزة الحكم في بعض الدول العربية برفع شعارات إسلامية شجعت تلك الدول على تبنيها.
ففي العراق البعثي - على سبيل المثال - وهنا كنت أتمنى أن أبتعد عن الحديث عن تجاربي الشخصية قدر الإمكان.. تجد أن العراق المرتبط باتفاقية تعاون وصداقة مع الاتحاد السوفياتي.. يستقبل كل صور الأسح (الجيلوجي) لأرض العراق عن طريق اشتراك في وكالة الفضاء الأمريكية وليس عن طريق أصدقائه، وخلال وجودي هناك جاء من ينقل لي أسماء مسؤولين عراقيين كبار.. أن (فلان) يبلغني تحياته.. وسط استغراب من دهشتي لأن (هذا الفلان) هو رجل مخابرات لدولة يعتبرها العراق معادية، مع هذا هو على اتصال وثيق بمسؤول عراقي في موقع يسهل منه الوصول إلي وتبليغي بالسلام المرسل إلي.. ويعتبره مرسلاً من صديق لي.. وتكرر هذا مرات عدة بطريقة جعلت الوصول إلى بيتي أمرًا طبيعيًا.. وإن كان هذا قد أثار دهشتي لا أكثر ولا أقل في بلد يصول ويجول فيه رجال الأمن دون حسيب أو رقيب.. وكان سلاحي الوحيد هو أنه ليس لي في شأن العمل السياسي والحزبي في العراق أي دور أو وهم أو طموح.. واكتفيت بإدراك حقيقة أن العمل السياسي والحزبي عندهم متاح لكل من لديه قدرة على التسلق..
كيف لا وقد انتهى الأمر بوجود من دل على مكان (اختباء) أولاد صدام وقتلهم فيه وعلى (الحفرة) التي أخرجوا منها صدام ليقدم للمحاكمة.
أما العمل الوطني الذي يحمل موقفاً ورأياً وطنياً عاماً فلا يكاد يكون له مكان في منهج سياسة وأحزاب العرب.