كولومبو - «الجزيرة»:

تعود أسطورة الشاي إلى الصين، حيث كان المنشأ قبل حوالي خمسة آلاف عام، ومع ذلك فإن سيلان (التي تعرف اليوم باسم سريلانكا) هي التي أطلقت شهرة الشاي في القرنين التاسع عشر والعشرين، باعتباره الشاي الذي استخدمته كافة ماركات الشاي التجارية الرئيسية.

وتتجلى أهمية الشاي السيلاني في نوعيته العالية التي لا مثيل لها، وتنوعه الاستثنائي في جزيرة صغيرة تضم أنواعاً مختلفة من الشاي في أجزاء مختلفة من مناطقها المخصصة لزراعة الشاي. ولتحديد قيمة الشاي السيلاني، يأخذ خبراء الشاي بعض الخصائص بعين الاعتبار، مثل مظهر الشاي المحضر، ولون الورقة المنقوعة، فضلاً عن لون المشروب المحضر وقوامه وجودته ورائحته ونكهته. وينحصر معيار تحديد جودة الشاي بناء على التقدير الشخصي للخبير المتخصص في مذاق الشاي.

وتبرز سيلان بين بقية الدول المنتجة للشاي بكونها بلد إنتاج الشاي «الأفضل في فئتها»، مع تراث عريق وموثق في هذا المجال. وتشتهر أنواع الشاي السيلاني المزروعة في أماكن لا يزيد ارتفاعها عن 2000 قدم عن سطح البحر بالمظهر المتميز لأوراقها، وقيمتها العالية في منطقة الشرق الأوسط، وأوراقها النحاسية اللون، ومشروبها القوي ذي اللون المائل للأحمر. وتمتاز كافة أنواع الشاي السيلاني المزروعة في هذه الأماكن بمظهرها «الأسود المتناغم»، وخلوها من الألياف والمواد الغريبة.

أما أنواع الشاي التي تزرع في مناطق يزيد ارتفاعها على 4000 قدم عن مستوى سطح البحر فتشتهر بمشروبها المنعش الزاهي الألوان ونكهتها العطرية المتميزة. وتختلف أنواع الشاي المزروعة في الأماكن المرتفعة عن الأنواع المزروعة في الأماكن المنخفضة من حيث كثافتها ولون أوراقها المائل نحو البني، كما تمتاز بمشروبها الاستثنائي الذي يتدرج بين الخفيف والذهبي الفاتح والأحمر الداكن.

صانع الشاي

ينحدر ميريل جوزيف فيرناندو، الذي ولد في قرية بالانسينا جنوب غرب سريلانكا في عام 1930م، من عائلة ريفية من الطبقة المتوسطة. تلقى تعليمه المبكر في كلية ماريس ستيلا، بمدينة نيجومبو، وانتقل بعد ذلك إلى العاصمة كولومبو سعيا وراء آفاق أفضل. ولأنه كان يطمح إلى أن يكون من ذواقة الشاي عمل في إحدى شركات الشاي البريطانية التي حرصت على حماية مهنتها بشكل كامل. كان ميريل محظوظاً لاختياره للانضمام إلى الدفعة الأولى من السيلانيين (سيلان هو الاسم السابق لسريلانكا) ليتم تدريبهم في مجال الشاي في بريطانيا التي أصبحت فيما بعد «وجهة متميزة» للمحترفين في قطاع الشاي.

وهناك، لاحظ ميريل أوجه الخلل الذي يعاني منه القطاع الذي تعتمد عليه بلاده بشكل كبير، الذي كان خاضعاً لهيمنة شركات كبيرة متعددة الجنسيات. كانت عملية قطاف محصول الشاي وإنتاجه تجري يدويا وفقا للتقاليد والعمليات الفنية المعتمدة في سريلانكا، ومن ثم يشحن بكميات كبيرة إلى أوروبا، حيث تجري له عمليات إضافة القيمة وتخصيصه بعلامة تجارية ومن ثم تعبئته.

تسبب ذلك في حصول منطقة الإنتاج على حصة ضئيلة من الأرباح من بيع الشاي السيلاني، في حين تعود المكاسب الكبيرة للوسطاء، وهم في الأساس مجموعة صغيرة من الشركات الكبيرة. وشكلت معالجة حالة الإجحاف هذه العامل الأساسي الذي دفع ميريل إلى ولوج مجال صناعة الشاي منذ سن مبكر والعمل فيه على مدى أكثر من نصف قرن. أسس ميريل علامة ‹ديلما› التجارية -أول شركة إنتاج امتلكت علامة شاي تجارية- بعد 38 عاماً من الجهد المتواصل، وقاد منذ ذلك الحين مهمة تحقيق النزاهة في مجال صناعة الشاي، المتمثلة في الجودة العالية والنضارة والأصالة وأخلاقيات العمل.

وتطورت شركة الشاي الصغيرة التي أسسها ميريل في عام 1988م لتغيير استغلال محاصيل بلاده من قبل كبار التجار، اليوم لتصبح واحدة من أكبر 10 شركات للشاي في العالم. ومع ذلك، يقول ميريل أن «ديلما» ستبقى على الدوام علامة تجارية عائلية صغيرة لأنها تمثل التكامل الذي يتطلب الجودة العالية والالتزام والنزاهة، وهي الصفات التي لا نجدها في السوق الشاملة.

تقاسم ميريل جوزيف فيرناندو حب الشاي مع ولديه ديلهان ومالك، اللذين استمدت العلامة التجارية ديلما اسمها منهما. وتابعت العائلة السعي لتحقيق رؤية ميريل في استعادة الجودة العالية للشاي، وتعزيزه بالتقيد بالتقاليد ومكارم الأخلاق وكافة الفوائد الصحية التي تمتاز بها أوراق الشاي النضرة.

وتمتاز قصة ميريل جوزيف فيرناندو بكونها حكاية رائعة توضح الاستغلال الذي طالما تعرضت له الفئات التي تهيمن عليها الشركات الكبيرة. كما تشير إلى قوة التجارة العادلة والمنصفة في انتشال الدول الأقل نموا من براثن الفقر. ولعب حب ميريل للشاي دورا مهما في دفعه نحو الإبداع في ثلاث مجالات مهمة: فهو الذي أطلق أول علامة شاي تجارية يملكها المنتج نفسه في عام 1988م، كما أنه كان من رواد مفهوم الشاي الأحادي الأصل، وتعبئة الشاي طازجا من مزارعه. وأدت هذه المبادرات إلى تعرض ميريل مراراً لنزاعات مع شركات تفوق حجم شركته الصغيرة الناشئة، ومع منافسيه والحكومة الذين لم يشاركوه اعتقاده بأن الشاي يمكن أن يقطف ويعبأ ومن ثم يشحن مباشرة من مزارعه عبر المزارعين أنفسهم.

عودة الشاي الأصلي

العديد من ماركات الشاي المتداولة في منطقة الخليج بصفة عامة، وفي السعودية بصفة خاصة، ولدت في سريلانكا واستخلصت من الشاي السيلاني الأصلي، وظل محبو الشاي في الخليج يتناولونها بشغف لعدة أجيال، ولكن الأمور تبدلت للأسف فيما بعد بشكل سيء عندما بدأت الشركات خلط المنتج السيلاني بأنواع أخرى من الشاي رديئة ورخيصة. ولذلك فإن العديد من ماركات الشاي التي يتناولها محبو الشاي في السعودية اليوم لم تعد بتلك النكهة التي اعتادوا عليها على مدى سنوات عديدة، على الرغم من أن المسميات هي نفسها. وهذا الشاي السيلاني العالي الجودة هو الذي تسعى ديلما إلى إعادته إلى السوق السعودي اليوم عبر موزعها المعتمد شركة الأصناف المتنوعة للتجارة المحدودة.

مسيرة

يروي كل كأس تحتسيه من شاي «ديلما» قصة نجاح مذهلة تتكشف معالمها يوما بعد يوم في مزارع الشاي المتفرقة في مختلف أنحاء سريلانكا. وتبدأ الحكاية بنعمة الطبيعة التي تثري الشاي السيلاني وتتجلى في كيمياء طبيعية تنساب في حناياها مزايا المناخ والتربة التي تنتج أرقى أنواع الشاي في العالم، وتتطور أحداثها من هناك لتمتزج حبكتها مع حياة جامعي أوراق الشاي وعائلاتهم، وعبر المجتمعات القروية حول سريلانكا، وغاباتها ومياها، لتصل إلى ذروتها في كوب الشاي المميز بين أيدي محبي الشاي.

ولدت «ديلما» من رؤية ميريل جوزيف فيرناندو، أحد مزارعي الشاي البسطاء، الذي رغب في مشاركة متعة الشاي مع العالم، وأنشأ شركة تقوم على المعايير الأخلاقية وتوزيع المكاسب على العاملين في قطاع الشاي. ناضل ميريل طوال أربعة عقود قبل أن يتحول حلمه إلى حقيقة، وتثمر جهوده في ترحيب قوي وغير متوقع لمنتجه من عشاق الشاي حول العالم!.

كرس ميريل حياته للشاي منذ صغره عندما رأى تركز ملكية صناعة الشاي في أيدي عدد قليل من الشركات الكبيرة. ولأن هذا التركز تسبب في تسليع الشاي، قرر من منطلق حرصه على مصلحة شاربي الشاي في جميع أنحاء العالم، ومصلحة المحصول الذي تنتجه بلاده بكثير من العناية والحرفية، أن يحارب عملية التسليع بكل ما أوتي من قوة.

بدأت قصة ديلما الحقيقية في عام 1988م. كان ميريل حينها مزارعاً صغيراً يحلم بتقديم شاي بلاده -الأفضل عالمياً- طازجاً ومنتجاً وفق أفضل معايير الجودة، مباشرة لمحبي الشاي في جميع أنحاء العالم. كان عليه في سبيل ذلك منافسة الماركات التجارية العملاقة، المتعددة الجنسيات، ما جعل الكثيرين يعتقدون أن حلمه بعيد المنال، ولكن محبي الشاي المخلصين حول العالم حولوا حلمه إلى حقيقة واقعة.

أطلق ماركته التجارية الخاصة ديلما في عام 1988م. كانت ديلما أول ماركة تجارية لشاي مملوك لمنتج العلامة، وقدمت الشاي «المنتقى والمعبأ» في المنشأ. فعلى عكس الماركات التجارية المتعددة الجنسيات، التي تملأ رفوف المتاجر الكبيرة، جلبت ديلما الشاي المعبأ طازجاً من المنشأ، ووفرت للمستهلكين نوعاً جديداً من الشاي يستمد جودته من نكهته الطبيعية.

تطورت «ديلما» من حلم مستحيل سيطر على أذهان أناس بسطاء في سريلانكا، وكثيراً ما تعرضوا للسخرية بسببه، إلى علامة تجارية يستمتع بنكهتها وطعمها الفاخر عشاق الشاي في أكثر من 100 دولة حول العالم. وينظر إلى «ديلما» باعتبارها إحدى أرقى 10 علامات شاي تجارية في العالم، على الرغم من أن ذلك لا يشكل الهدف الأساسي الذي سعى ميريل فيرناندو وعائلته لتحقيقه عبر «ديلما».

وقد أوفى ميريل بتعهداته التي قطعها على نفسه بأن يجعل «ديلما» شركة أخلاقية حقيقية بإنشاء مؤسسته الخيرية «مؤسسة ميريل جوزيف فيرناندو الخيرية». وأصبح ذلك الالتزام جوهر أعمال ميريل منذ ستينيات القرن العشرين، قبل وقت طويل من اعتبار المسؤولية الاجتماعية للشركات مفهوماً منتشراً كما هي الحال اليوم. ويحمل هذا الالتزام في جنباته فلسفة قوية جدا تتجلى في إقامة شركة تعمل لخدمة الإنسان.

وانطلاقاً من اعتبار النجاح إنجازاً يتخطى تعريفه التقليدي والتجاري، يؤكد ميريل على حقيقة قوية تتجلى في إظهار مدى أهمية القيم العائلية التقليدية، وضرورة اعتمادها في السياق الحالي للأعمال. ومن خلال الاعتماد على النزاهة في شركته، بقدر ما يتعلق الأمر بعملائه من حيث نوعية شاي «ديلما» بالنسبة للعاملين لديه والبيئة التي تساعدهم في تعزيز تميز «ديلما»، قدم ميريل حلاً مبتكراً للعديد من المشاكل التي يواجهها العالم اليوم.

وتدين «ديلما» بنجاحها للجودة التي تشتهر بها الشاي السيلاني، ولذلك فإن أعمال مجموعة ديلما تأسست في أجواء من التواصل الدائم مع الأرض ومع المجتمعات التي تعمل فيها. وقد قامت المجموعة بدور رائد فيما يتعلق بالالتزام الشامل بتقليل تأثير عملها على الكوكب الذي نعيش فيه، وتعزيز مبدأ احترام البيئة وضمان حمايتها من خلال التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة. وهكذا جعلت المجموعة البيئة محور أعمالها، وتأكيدا لهذا الالتزام الجوهري بالاستدامة البيئية أنشأت (مؤسسة «ديلما» للحفاظ على البيئة).

وبينما كانت ديلما تنمو، لم ينس ميريل تعهده، ذلك لأن عائدات ديلما من مبيعات الشاي تستخدم في تمويل أعمال مؤسسة ميريل فيرناندو الخيرية، التي ساهمت في تغيير حياة الآلاف، وسوف تستمر في النمو.

واليوم، بعد ثلاثة عقود من الزمن، يشاركه في تحقيق رسالته ابناه ديلهان ومالك. وتتلخص رسالته في خدمة عملائه بتوفير الشاي المصنوع وفق أفضل معايير الجودة، الشاي الطازج ذي النكهة الطبيعية، والتعامل مع العاملين لديه ومع سلطات بلاده، في نفس الوقت، وفق ما تقتضيه مبادئ النزاهة والعدالة، ولذلك فقد تعهد بجعل عمله مسألة خدمة إنسانية.

و«ديلما» هي الاسم التجاري الوحيد في البلدان المنتجة للشاي والقهوة والكاكاو الذي تحافظ به سريلانكا على ثروتها من الشاي، بعد أن استغلت الشركات العابرة للقارات جهود البسطاء من مزارعي الشاي في سريلانكا لتدخل عائدات هذه الثروة في جيوب أصحاب الملايين في البلدان الأجنبية.

كما أن ديلما هو النموذج الأول على مستوى العالم لتسويق منتجات البلاد تحت اسم هذه العلامة التجارية، التي تولد أرباحاً كبيرة تتقاسمها الشركة مع الفقراء والمستغلين من الأطفال ومع المجتمع على نطاق أوسع، لتطوير حياة الفقراء في عالمنا وتركه للجيل القادم على نحو أفضل.

إلى جانب أنها الشركة الوحيدة على مستوى العالم التي تمتلك كل مقومات صناعة الشاي، حيث تمتلك الشركة 19600 هكتار من مزارع الشاي، والعديد من المصانع ووحدات المعالجة التي تعطي قيمة مضافة للشاي، مثل مصانع القرفة والفلفل وغيرها من التوابل، ومصنع طباعة وتعبئة تعد أفضل مصانع الطباعة والتعبئة في سريلانكا، بالإضافة إلى اسمها العائلي «ديلما»، الذي تستخدمه لتوصيل محصولها من الشاي إلى المستهلكين تحت شعار «من مزارعنا إلى فنجانكم»، ولا ينافسهم في ذلك أي نوع آخر من الشاي.