د.عبدالله بن موسى الطاير
مع إيماني العميق بأن المجتمعات الغربية المتحضرة حريصة على حقوق الإنسان، كمظهر من مظاهر التعاطف الإنساني الذي يتقاسمه الإنسان مع أخيه الإنسان، بغض النظر عن دينه ولونه وجنسيته، إلا أن حقوق الإنسان من الناحية العملية ما هي إلا إحدى أذرع السياسة الخارجية للدول الصناعية في الغرب.
وزير الخارجية الفرنسي السابق جان مارك إيروليت عبَّر عن ذلك بوضوح عندما قال: «الدفاع عن حقوق الإنسان جزء من هوية بلدنا، ومبدأ من المبادئ التي تقوم عليها أنشطة الدبلوماسية الفرنسية». حسنا، كم وزير خارجية في دولنا الإسلامية وضع حقوق الإنسان ضمن أدوات السياسة الخارجية التي يستخدمها في تحقيق أهداف دولته الخارجية؟
لم أسمع - شخصيًّا - أن وزير خارجية دولة مسلمة وقف في مؤتمر صحفي مع نظيره الغربي وانتقد وضع الأسرة في المجتمعات الغربية المهددة بقوانين الشذوذ والمثلية، ثم استند في نقده ذلك إلى المادة الخامسة من «إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام» الذي أقرته الدول الإسلامية في القاهرة عام 1990م، والذي نص على أن «الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها، وللرجال والنساء الحق في الزواج...». ثم يبدأ يتفلسف عليهم بأن القوانين التي يفرضها الغرب في مجال شرعنة زواج المثليين وتفكيك الأسرة هي مبادئ لا تؤمن بها جميع الديانات. ثم أردف هذا باحتجاجه على تشجيع الأنظمة الليبرالية الإلحاد على حساب المؤمنين من مواطنيها، واقتبس إحصاءات تؤكد أهمية الدين؛ إذ يرى 90 % من «شهود يهوه» أن الدين مهم جدًّا، وهي طائفة مسيحية أمريكية المنشأ، وأن 84 % من المورمن يؤيدون أهمية الدين في حياة الناس، و79 % من المسيحيين الإنجيليين، فضلاً عن 64 % من المسلمين، و58 % من الكاثوليك، و52 % من الأرثوذكس.
حتى يصبح للدول الإسلامية ذراع مهمة في السياسة الخارجية، إضافة إلى المصالح، عليها أن تؤمن بأنها ليست كلها سيئة في مجال حقوق الإنسان، وأن تتخلى عن عقدة النقص أمام الدول الغربية، وأن تعلم بأنها ليست المستهدف بداية، وإنما يسبقها في الاستهداف كل من الصين وروسيا. كما أنها مطالبة بأن تؤمن بمنظومة حقوق الإنسان في الدين الإسلامي، وهي منظومة قيمية، يؤمن بها جميع المتدينين في العالم؛ وبذلك فإنك عندما تعلي شأن حقوق الإنسان في خطابك السياسي فإنك تخاطب رأيًا عامًّا داخل تلك الدول نفسها. قبل سنوات تظاهر في باريس مليون كاثوليكي ينادون بأهمية الأسرة، ويحذرون من ضياع المجتمعات المسيحية بسبب القوانين التي تستهدف تفكيك المقومات الأساسية لها.
القول بأن أي خطاب إسلامي يوظف حقوق الإنسان في سياسته الخارجية سوف يتناقض بشكل صارخ مع حالة حقوق الإنسان داخل البلدان الإسلامية له وجاهته، ولكن مَن من الدول الغربية تطبق الشعارات التي تنادي بها بحذافيرها؟ كل دولة لديها انتهاكات صارخة، ليس آخرها وضع الأطفال في معسكرات على الحدود، وتفريقهم عن ذويهم، وأمثلة أخرى كالسجون السرية حول العالم، و(أبو غريب) وجوانتانامو، وحقوق السكان الأصليين، والعسكر الذين يقتلون الناس في الشوارع بسبب ألوانهم، والناشط الصحفي الأسترالي جوليان أسانج الذي لُفقت له تهمة التحرش الجنسي في السويد بسبب نشره وثائق سرية، يُعتبر نشرها من حرية التعبير، وهو لاجئ في سفارة الأكوادور في لندن منذ عام 2012م، إضافة إلى انتهاكات إسرائيل اليومية لحقوق الإنسان الفلسطيني. بدلاً من أن نكون الطرف الأضعف في مجال حقوق الإنسان، وتُنتهك سيادة دولنا من أجل مكاسب انتخابية في هذا البلد الغربي أو ذاك، يجب أن نطور إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، وأن تصمم وزارات الخارجية في الدول الإسلامية مراصد لكل انتهاك لهذه الحقوق في الدول التي تتعامل معها. يبدو هذا جنونًا، ولكن له أساس من الصحة إذا تخلصنا من عقدة النقص.