عمر إبراهيم الرشيد
عجيبة هذه العبودية من البعض لهذه الأجهزة اللوحية بما فيها من تطبيقات التواصل أو (التفاصل) الاجتماعي! وإن كنتم في ريب من حديثي هذا فما عليكم إلا استحضار أحوال بعض المصلين في المساجد ويوم الجمعة تحديداً لتروا العجائب، من مسلم يفترض به انتهاز هذه الساعة للانعتاق من مشاغل الدنيا وتفاهاتها وصخبها وغسل النفس والقلب بذكر الله تعالى وتلاوة كتابه، فترى بعض المصلين لا يستطيع ترك هاتفه ولو ساعة.
وبعضهم استبدل المصحف المكرم بهاتفه الجوال لقراءة القرآن الكريم!، فأي تقنية هذه التي سلبتنا حريتنا وبساطة العيش وقيدت الكثيرين بإرادتهم وللأسف الشديد. وقل الشيء ذاته عن المجالس والمناسبات العائلية والاجتماعية وغيرها!.
في بريطانيا وهي إحدى الدول الصناعية السبع الكبرى، أطلقوا حملة بعنوان (سبتمبر بلا تصفح)، فهل سيتبعهم بنو يعرب كالعادة في التقليد، وهذا من التقليد الإيجابي ومطلوب على كل حال.
هذه الحملة تنظمها الجمعية الملكية للصحة العامة في بريطانيا بهدف محاولة إعادة مدمني ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى إيقاع الحياة الطبيعي ودفء العلاقات الاجتماعية الطبيعية بدل الافتراضية، والحد من التأثير العقلي على مدمني تلك البرامج مثل (تويتر) و(سناب تشات) وغيرها بوقف تصفح تلك البرامج أو التقليل منها على مدى شهر كامل.
قبل أيام تناقل الناس والإعلام خبر انتحار فتى سعودي بسبب لعبة (الحوت الأزرق)، فيا ترى هل أيقظت هذه الحادثة المعنيين بالأمر من هيئة الاتصالات والشركات المشغلة والدوائر المعنية والمجتمع عملياً، إلى المخاطر الصحية والاجتماعية والعقلية لكثير من تلك البرامج المسمومة على النشء والشباب، بل وحتى كثير من الكبار مع شديد الأسف، فقد انتكص بعضهم إلى الوراء منافسين للمراهقين بسبب إدمانهم على هواتفهم وأجهزتهم الذكية، تصويراً ومشاركات كغثاء السيل.. بل حتى الخصوصية في كثير من البيوت بدأت في الانحسار بسبب هوس التصوير، فإلى أين نحن متجهون.
هذه مبادرة بريطانية وهم من هم في برود عواطفهم واعتيادهم على الحياة الفردية، وارتفاع إنتاجية العامل البريطاني بين الدول الصناعية، ومع ذلك استشعروا الخطر وأتت هذه المبادرة ربتاً على الأكتاف تنبيها واهتماماً بصحة المجتمع وسلامة المتبقي من حياته النفسية والفكرية. فما البال ونحن بعودة إلى الوراء بضع خطوات، وتحديداً عام 2004 كانت الصور الثابتة لا يمكن تبادلها عبر أجهزة الجوال بداعي الخصوصية، فما هي إلا سنوات قليلة لا تعد شيئاً في أعمار الشعوب حتى انفرط العقد. وحرصاً على الموضوعية لابد من استحضار فضائل التقنية وما يسرته من مطالب معيشية وخدمات معرفية وحياتية لا تحصى، فسوء الاستخدام لا يعني سوء الأداة أياً كانت والحديث عن السلوك التقني، لأن هناك إنجازات تقنية لشباب وبنات الوطن وطلبته وأكاديمييه نفخر بها و(هاكاثون الحج) أقرب مثال، فليس القصد التشاؤم أو جلد الذات إنما النقد البناء والتنبيه لمواطن الخلل. سبتمبر بلا تصفح مبادرة بريطانية، فهل نرى مبادرة مثيلة هنا؟.. طابت أوقاتكم.