لبنى الخميس
جميعنا تعرضنا للرفض، لأسباب ومبررات مختلفة وبصور وسيناريوهات متباينة، بعضها يطل علينا كل حين نستحضره فنتنهد.. لمرارة هذه الذكرى، وبعضها منسي في أقصى الذاكرة.. نتذكره فنضحك.. بل ونمتن لحدوثه. الرفض كلمة من حرفين (لا) ولكنها تملك من القوة والتأثير ما قد يجعلها تقف في وجه أغلى أحلامك.. كدخول الكلية التي لطالما حلمت بها، أو التحاقك بالوظيفة التي اختزلت عمق طموحاتك، أو ارتباطك بالشريك الذي رفعت معه سقف توقعاتك، أو تمويل مشروعك الذي آمنت بقدرته على تطوير محيطك ومجتمعك..
لكن هل يختزل الرفض تجاربنا وأحلامنا.. وهل بمقدور كلمة من حرفين أن تضع النقطة الأخيرة لحكايتنا؟ في الحقيقة، عالمنا مليء بقصص وتجارب لأشخاص جمعوا أحجار الرفض ليبنوا منها سلماً يعتلونه لتحقيق أحلامهم الكبرى.. والت ديزني الذي أدهش العالم وأثرى خيال سكانه بعشرات القصص والأفلام الخالدة، رُفض للعمل كرسام كرتوني من قبل صحيفة “كانساس سيتي ستار” العريقة لافتقاره للخيال والأفكار الفريدة. ميريل ستريب الممثلة الأمريكية التي رشحت لجائزة الأوسكار 21 مرة وفازت بها 3 مرات ، رفضت في عمر الـ26 عاماً من مخرج عمل «كينغ كونغ» بحجة لأنها ليست جميلة كفاية! وقبل أن ينشر الكاتب ستيفن كينغ 50 رواية ويصنف في المرتبة التاسعة عشرة لأكثر الكتاب مبيعاً عبر التاريخ رفضت 30 دار نشر أن تطبع روايته الأولى قبل أن تباع 350 مليون نسخة من كتبه.
لكن لماذا نخاف من الرفض.. ونهاب تبعاته؟
خوفنا يأتي من عدة دوافع عميقة ومتصلة بتجاربنا وتفاصيل قصتنا، أولها أن تقضي سنوات من عمرك تبني سمعة جديرة بالتقدير والاحترام في عملك ومجتمعك وميدان خبرتك، فيحجمك الخوف من التقديم على وظيفة جديدة، أو إطلاق منتج جديد، أو الدخول في معترك مهني مختلف فيرفضك فيه الناس، وتخسر ما بنيته من سمعة حسنة عبر السنين. أما الخوف الثاني فيولد من رحم إنجاز عظيم.. كإنتاج فيلم سيطر على شباك التذاكر، أو إصدار كتاب تصدر الكتب الأكثر مبيعاً، أو إلقاء خطاب ألهم الملايين، فيبدأ القلق من الرفض بالتسلل إلى نفسك، من تحول أي إنجاز جديد إلى خيبة أمل كبرى. أما النوع الثالث، فهو الأصعب برأيي، وهو الخوف من الرفض الأول.. العلاقة الأولى.. الوظيفة الأولى.. المشروع الأول.. كون النقاط الداكنة على الصفحات البيضاء أشد وضوحاً.. ولأن التجربة الأولى في كثير من الأحيان قادرة على تأسيس ثقتنا بأنفسنا أو تدميرها إلى الأبد.
الإشكالية الكبرى في تعاطينا مع الرفض أحياناً هي أن نقمتنا قد لا تقتصر على كون أحدهم قد رفض فكرتنا، أو لم يوافق على طلبنا، بل قد تمتد إلى ذلك الرافض بشكل شخصي… فتطاله النقمة لمجرد أنه لم يجاملنا، و قال «لا» ببساطة! فكثير منا يميل إلى رفض الرافضين، والتحامل عليهم، ووصفهم في كثير من الأحيان، بالمتطلبين أو التقليديين أو قصيري النظر، متناسين أنهم يملكون قدرة استثنائية على تطوير وتحسين أعمالنا، وإطلاق العنان لطاقاتنا الكامنة، والأهم من ذلك كله، اختبار مدى إيماننا بأفكارنا، فأمام كل تجربة رفض نحن نملك خيارين: إما أن نتوارى عن الأنظار ونختبئ عن عيون الناس وألسنتهم، أو نقف بكل شجاعة وشموخ أمامها، متسائلين كيف يمكننا أن نشخص مكامن الضعف والقصور؟ مستحضرين فكرة أن ليس كل ما يرفضه الناس سيئاً ومكانه سلة النفايات، وأن بعض الأفكار قدرها أن يحاربها الآخرون لتكون عظيمة.. وتجعلنا أكثر قوة وعزيمة وصلابة لتحقيقها. فكما يقول الفيلسوف جون ستيوارت ميل: «إن كل حركة أو فكرة عظيمة يجب أن تمر بثلاثة مراحل: أولها السخرية، ومن ثم النقاش وآخر التبني».