خالد بن حمد المالك
هناك من يخلط في أزمة كندا بين حقوق الإنسان، والتدخل الكندي في شؤون المملكة الداخلية، وهناك من لا يفرّق بين أن للإنسان حقوقاً يجب أن تراعى ويتم الالتزام بها، وبين اعتبار من يتصرف ويعمل بما يخل بأمن دولته، وكأن ذلك ليس جريمة يُعاقب عليها، وإنما هو ضمن حقوق الإنسان المزعومة.
* *
دخول كندا على الخط في إيقاف عدد من المواطنين السعوديين بتهم إجرامية، واعتبارهم نشطاء مجتمع مدني بحسب الادعاءات الصادرة عن وزيرة خارجية كندا لا يمكن فهمه، أو إيجاد تفسير له لمن يبحث عن حقيقة هذا الاختلاف والفرق بين سجناء الرأي والموقوفين بتهم إجرامية كما هو حال السعوديين الذين تترافع عنهم وزارة الخارجية الكندية.
* *
إن محاولة استغلال وضع هؤلاء بالتدخل في شؤون المملكة الداخلية من قبل خارجية كندا، ثم التهرّب من المسؤولية بالادعاء بأن هذا الموقف الكندي يندرج ضمن الاهتمام الكندي بحقوق الإنسان في المملكة، لا يمكن قبوله أو التسليم به، فكندا كان عليها ضمن المراجع والأعراف الدبلوماسية أن تتعرّف على الحقيقة -مع أن هذا ليس من شأنها- وأن تحتفظ وزيرة خارجيتها برأيها لنفسها، حتى وإن كان لها مصلحة في التعاطف مع الموقوفين ودعمهم، ومحاولة تشويه حقيقة وأسباب قيام النيابة العامة بإيقافهم بجرائم موثقة ضد أمن الدولة.
* *
وعند الحديث عن الأزمة الكندية لمن يريد أن يدلي برأيه عليه أن يركز فقط على تدخل وزيرة الخارجية الذي يتعارض مع مبادئ ومفاهيم العلاقات الدولية، لا أن يكون رأيه عن حقوق الإنسان في المملكة الذي لا معنى للحديث فيه لعدم وجود أي صلة له بإيقاف هؤلاء، وحيث تُطبّق في البلاد المعايير الحقوقية بأفضل مما هي في كندا التي حرم المواطنون الأصليون فيها من حقوقهم وبينها على سبيل المثال لا الحصر: الاستيلاء على أملاكهم، وكذلك عدم معالجة أوضاع المواطنين الكنديين المتكدسين بالعراء في شوارع المدن دون مأوى، ومثل ذلك التفريق العنصري بين المواطنين، وجرائم القتل اليومي، مما يعد ذلك حالة من حالات كثيرة تمس حقوق الإنسان في كندا.
* *
لقد فتحت تغريدة وزيرة الخارجية أبواباً كانت مغلقة في الحديث عن حقوق الإنسان في كندا، وشجعت شخصيات للإدلاء بآرائها الإيجابية عن العلاقات السعودية- الكندية التي حاولت الخارجية الكندية أن تضربها في مقتل دون مراعاة لمصالح كندا وشعبها الصديق، ما جعل الكثير من الكنديين يخرجون عن صمتهم، ويتحدثون عن هذه العلاقة، والمحاولات التي تمت لإفسادها، مما ألحق الضرر بمصالح كندا، دون أن يمس المملكة شيء من هذا الضرر، أو يدفع بالرياض للتخلي عن العلاقة التاريخية بالشعب الكندي، وبالشخصيات الكندية التي ظلت وهي بالسلطة أو خارجها تحتفظ بتقديرها للمملكة، ومثلها الشرفاء من الإعلاميين الكنديين.
* *
فضمن التفاعل مع المستجدات في العلاقات السعودية- الكندية، كتب الصحفي الكندي كيفن كاميشال تحت عنوان: تكلفة ثمن أخذ موقف سيئ من الحكومة السعودية سيكون باهظاً، وجاء فيه، خسرنا فرصة وجود عظيمة في الشرق الأوسط، سواء كان ذلك لتطوير دور كندا السياسي المعدوم في الشرق الأوسط، حيث لا يوجد لنا فيه أي دور يذكر، أو على الصعيد الاقتصادي، حيث كانت هناك فرصة عظيمة للشركات الكندية لتزيد حصتها في هذا الجزء من العالم، يضيف: يجب أن تنسى الشركات الكندية الآن فرصة الدخول في السوق السعودية الغني، وفتح أسواق جديدة لزيادة حصة الشركات الكندية في السوق السعودية، وكذلك تعويض الخسائر الناجمة عن أزمة الألمنيوم مع أمريكا، ويقول: كانت تغريدة لا داعي لها.
* *
وجاء التعليق سريعاً على ما كتبه الصحفي كاميشال في تغريدة للدكتور الطبيب مايكل تاكون رداً على ما كتبه الصحفي المشار إليه، وفيها: أنا حزين لأنني سأفتقد زملاء محترمين، وأصدقاء رائعين، وما لا يعرفه الكنديون أن 20 % من الأطباء الذين يقومون برعايتهم في المستشفيات الكندية هم من الأطباء السعوديين الموهوبين في برامج التدريب، سيخسر المرضى ما يستحقون من خدمات ذات نوعية مميزة عندما يغادر هؤلاء الأطباء.
* *
وهكذا دفعت كندا ثمن هذا التعدي الوقح من وزيرة الخارجية على سيادة المملكة، وهو ما يجب أن يعرفه الشعب الكندي الطيب، خاصة أنه مقبل على انتخابات، وقد يكون هذا التصرف الأحمق حاضراً ومؤثراً عند إجراء هذه الانتخابات.