«الجزيرة» - محمد العمار:
سجلت الليرة التركية هبوطًا حادًا يوم الجمعة بنسبة 19 % في يوم واحد مقابل الدولار، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم المستوردين من تركيا. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة إنه أمر بمضاعفة تعريفات الصلب والألومنيوم التركيين، ما يزيد من الضغوط على الاقتصاد المضطرب لهذا البلد وسط خلاف دبلوماسي مع واشنطن.
وقال الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين إن البعض يعتقد أن انهيار الليرة التركية مرتبط بالمتغيرات السياسية والاقتصادية التي حدثت في تركيا العام الحالي؛ وهو اعتقاد خاطئ على أساس أن الاقتصاد التركي يعاني منذ ما يقرب من خمس سنوات؛ إلا إن الديون السيادية كانت توفر غطاء وقتيًا للاقتصاد وتخفي إمكانية انكشافه وبالتالي انهيار العملة.
نجح الرئيس أردوغان في التوسع في الديون السيادية التي أعطت الاقتصاد نموًا وهميًا استغله لتحقيق مخططه السياسي الذي هدف من خلاله إلى تغيير الدستور وجمع الصلاحيات في يده.
فبالرغم من معدلات النمو المرتفعة كان الحساب الجاري يسجل عجزًا ملحوظًا وصف بأنه من بين العجوزات الأكبر عالميًا؛ وهذا ما تسبب في ضعف الليرة التركية واستمرار انخفاضها تدريجيًا؛ غير أن تجاوزات الرئيس التركي في إدارة الاقتصاد وأخطاءه السياسية أقحمته في مشكلات مع أهم شركاء تركيا الاقتصاديين وفي مقدمهم أميركا ودول الاتحاد الأوربي؛ ما عجل في انكشاف خلل الاقتصاد والنظام المالي وبالتالي الليرة التركية التي فقدت ما يقرب من 70 % من قيمتها منذ مطلع العام الحالي فقط.
وأضاف البوعينين: أؤكد أن الأحداث السياسية والاقتصادية الأخيرة ومنها الإجراءات الأميركية ذات العلاقة برفع الضرائب على منتجات الصلب والألمنيوم أسهمت في تعجيل انهيار الليرة وبوتيرة متسارعة جدًا وانكشاف الاقتصاد التركي الذي يمكن اعتبار متانته المزعومة «كذبة أردوغانية» صنعتها الديون السيادية قبل أن تتسبب أيضًا في انكشافه.
وبالرغم من وضوح الأزمة الاقتصادية والمالية وسببها إصرار أردوغان على ربطها بالحرب الاقتصادية المزعومة وتسجيل مواقف سياسية شعبوية علها تغطي على أخطائه التي صنعت الأزمة اقتصاديًا وسياسيًا؛ ثم مضى في ارتكاب الأخطاء، فبدلاً من معالجة الأزمة وفق الأدوات النقدية؛ تدخل الرئيس أردوغان في عمل البنك المركزي وسياساته التي يفترض أن تكون مستقلة؛ مفضلاً عدم رفع أسعار الفائدة برغم الحاجة لها خاصة وأن نسبة التضخم تضاعفت ثلاث مرات عما كان مخططًا. كما أن الاستمرار في التوسع بالديون السيادية زاد من الأزمة حيث تقتضي المصلحة تقليص الدين العام لا زيادته والحد من تبعات خدمة الدين المتضخمة أصلاً.
السياسة المالية والنقدية أضرت بالمستثمرين الذين تضرروا من انخفاض العملة خاصة المقترضين بالدولار ممن استثمروا القروض في مشروعاتهم بعد تحويلها إلى الليرة التركية، فأصبحوا عاجزين عن الوفاء بسبب تضاعف حجم الدين كنتيجة لانهيار العملة.
وأردف البوعينين: أعتقد أن الضغط الأميركي على تركيا كنتيجة للسياسات الأردوغانية الخاطئة أسهم في الضغط على الليرة ودفعها نحو السقوط الحر؛ وهو أمر قد يستمر في الأيام القادمة.
تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول مضاعفة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الألومنيوم والصلب التركية تسببت في تراجع الليرة التركية يوم الجمعة الماضي إلى مستوى قياسي وخسرت 19 بالمئة من قيمتها في لحظات، حيث وصل سعر الدولار إلى حوالي 6.57 ليرة تركية مساء الجمعة بعد تغريدة الرئيس ترامب..
ومن أسباب الانهيار الأخير تعامل الرئيس أردوغان مع الموقف؛ فبدلاً من طرح خطة إنقاذ وبرامج لحماية العملة من مواصلة الانهيار؛ تسبب بتصريحاته الغريبة في زيادة أوجاع الليرة، خاصة عندما طالب الشعب التركي بتحويل دولاراتهم ومدخراتهم إلى الليرة لوقف تراجعها ودعم سعرها؛ وهو تصريح لا يخلو من الغرابة وينم عن غياب الحلول الاقتصادية والنقدية ويضعف ثقة المستثمرين بالليرة ويدفعهم للتخلص منها حماية لما تبقى من مدخراتهم.
انهيار الليرة التركية لن يتوقف كما يعتقد البعض بل ربما تتجاوز 10 ليرات للدولار قريبًا؛ فالأمر مرتبط بضعف الاقتصاد وعجز الميزان الجاري وتوقف الاستثمارات الأجنبية وسحب المدخرات وتحويلها للخارج وتضخم الديون السيادية وارتفاع تكاليف خدمتها؛ وهي عوامل قاسية تدعم توقعات استمرار الانهيار وتجاوز 10 ليرات قريبًا.
من جهته قال المحلل الاقتصادي عبد الرحمن الجبيري إن تسجيل الليرة التركية أدنى مستوى لها على الإطلاق يعود إلى السياسات النقدية المتعلقة بالتدخل بأسعار الفائدة وخلافات داخلية حول تلك السياسات النقدية والمالية وتوتر في علاقتها الاقتصادية الدولية، إضافة إلى ارتفاع مستوى الديون الأجنبية للشركات التركية إلى أكثر من ترليون ليرة تركية في الجانب المتمثل علواً للقروض طويلة الأجل بالعملات الأجنبية، إضافة إلى انعدام ثقة المستثمرين الأجانب وضعف الإجراءات الاحترازية لمعالجة هذه المشكلة وغيرها من الآثار السياسية التي تؤثر على الاقتصاد، إضافة إلى عدم قدرتها على كبح معدلات التضخم في السوق التركية وتنامي خسائرها إلى نحو 16.5% مما جعل أداءها على نحو متدنٍ كثيرًا في أسواق العملات حيث لا تزال الليرة التركية تواصل أعلى تراجع أمام الدولار وهبوطها إلى مستوى قياسي منذ بداية هذا العام.
وتابع الجبيري وفقاً لتقارير اقتصادية مُحدثة فإن الليرة التركية قد فقدت خمس قيمتها أي 20% من قيمتها إضافة إلى أن الاقتراض الأجنبي للشركات التركية قد لامست سقف 227 مليار دولار في مارس الماضي وأن ثقة المستثمرين قد اهتزت ووصلت إلى مراحل تدعوهم للقلق.
وحول تأثير هذا الانهيار قال إن هذا الانهيار في نظر المحللين الاقتصاديين انهيار تاريخي سيترك أثرًا سلبيًا على جميع مكونات الاقتصاد الكلي في تركيا وسيعرضها لمخاطر ستسهم في انسحاب الكثير من المستثمرين الأجانب في تركيا نتيجة للعجز الكبير في الميزان التجاري مما يجعل الاستثمارات والمدخرات غير آمنة، كما أن القرار الأمريكي برفع الضرائب على الصلب والألومنيوم قد فاقم من الأزمة، ومن هنا فإن تراجع الليرة التي فقدت الجمعة أكثر من 20% من قيمتها أمام الدولار هو أدنى مستوى على الإطلاق وغير مسبوق ولا تزال التنبؤات تشير إلى استمرار هذا الانهيار خاصة أنه لم يُتخذ حتى هذه اللحظة أي إجراءات اقتصادية لحل هذا الانهيار مما سيزيد معه حتماً ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص في السلع الضروري
المستوردة كالأدوية والعقاقير والمستلزمات الطبية ووصول معدلات التضخم النقدي إلى معدلات عالية تفقد بها الدورة الاقتصادية توازنها في الأداء مما يؤثر على أداء الأنشطة الاقتصادية والناتج الإجمالي ومؤشراته القياسية تباعاً.
وكان البيت الأبيض أعلن في مارس الماضي فرض تعرفات إضافية بنسبة 25 و10 في المئة على واردات الصلب والألمنيوم، ما يعني أن هذه المنتجات ستخضع للضريبة الآن بنسبة 50 و20 في المئة على التوالي. وتشكل الواردات الأميركية من الصلب التركي 4 في المئة من الصلب الذي تشتريه الولايات المتحدة من الخارج، وفق إحصاءات تعود إلى العام 2017م. وبسبب الأزمة الدبلوماسية والمخاوف من التداعيات المحتملة على بنوك أوروبية، تراجعت الليرة التركية الجمعة إلى مستوى قياسي وخسرت 19 في المئة من قيمتها.
ورأى المحلل لدى «إكس تي بي» ديفيد تشيثام في مذكرة أن تراجع الليرة التركية الجمعة «يظهر أن المستثمرين متخوفون بشكل متزايد من أزمة نقدية شاملة وشيكة».
وتعاني العملة التركية التي فقدت قرابة نصف قيمتها مقابل الدولار واليورو منذ مطلع العام، من الأزمة الدبلوماسية الخطيرة بين أنقرة وواشنطن، وريبة الأسواق المتزايدة حيال فريق أردوغان الاقتصادي.