عماد المديفر
لم يكن ما ذكرته «عالية غانم» والدة الإرهابي الإخواني «أسامة بن لادن» في ظهورها الإعلامي الأول عبر صحيفة الغاردين البريطانية بغريب على السعوديين، لكنه قد يكون كذلك لغيرهم، وبالأخص للمتلقي البعيد عن معرفة تاريخ ابن لادن الأسود.. هذا المراهق، الغر، المترف -إذ ذاك- الذي نشأ في بيئة صوفية في منطقة مكة المكرمة، ثم ما لبث أن تلقفه تنظيم الإخوان المسلمين في المملكة، واستمر في تغذيته فكرياً، حتى وصل لمرحلة الجهوزية التامة على يد القيادي الإخواني الفلسطيني الأردني العتيد، خريج الأزهر في القاهرة، وقبلها جامعة دمشق، والأستاذ في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة «الدكتور عبدالله عزام».. والذي وُصِفَ بـ»الأب الروحي» للشاب أسامة.. والذي أراد له التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ليكون هو حصراً الزعيم (اللوغو) لتنظيم «القاعدة»- ليس عبدالله عزام، ولا أيمن الظواهري اللذان قد يعتبرهما البعض أحق منه بالزعامة إذا ما نظرنا للأمر بمنطقية- بيد أنه تم وضع ابن لادن لهذا المكان ليس لجودة فيه واستحقاق، بقدر ما كان ذلك لجنسيته التي يحملها، لاسيما إذا ما علمنا أن ابن لادن أقل بكثير من عزام والظواهري في المكانة في التنظيم الدولي للإخوان، إن من حيث المرتبة، أو من حيث (العلم) أو حتى الخبرة الحركيّة، والميدانية في القتال.. فعزام قد يعد (مفكر) إخواني وقيادي عتيد، والظواهري لا يقل عنه، بل إن الظواهري يبزه خبرة في العمل العسكري، كونه أول من أحيا التنظيم المسلح للإخوان في مصر من خلال ما سُمي بـ»تنظيم الجهاد الإسلامي» بعد أن تم القضاء على التنظيم الإخواني العسكري الخاص الذي أُنشأ بداية تأسيس تنظيم الإخوان على يد الصوفي الحصافي «حسن البنا» و(المفكر) الماسوني السابق «سيد قطب».
إذن؛ فقد جرى بالفعل استهداف عائلة ابن لادن، واستقطاب ابنها المراهق (أسامة)، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم إرساله في رحلات خاصة الى تركيا ليخضع الى برامج آيديلوجية وتنظيمية مكثفة بإشراف وإدارة مباشرة من حزب السلامة الوطنية المؤسس من قبل أبو الإسلام السياسي في تركيا، والذي لطالما روج له بيننا عتاولة الإخوان المسلمين في الداخل السعودي، المدعو: نجم الدين أربكان، وذلك في عام 1976، وقد كان الرئيس التركي الحالي، زعيم حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، هو من يتولى رئاسة اللجان الشبابية لحزب أربكان، وليكون بطبيعة الحال هو المعني الأول بالاستقطاب الدولي للشباب من خارج تركيا، وتنظيم برامجهم.
لقد ذكرت (أم أسامة) كيف جرى خطف ابنها منها، وهي تحمل القيادي الإرهابي عبدالله عزام مسؤولية ما حل به، والواقع أنه لم يتم استهداف أسامة لوحده، من خلال ثنائية (عزام-أسامة)، ففي تلك الفترة ظهرت ثنائيات عديدة بين قياديين إخوانيين (أجانب) داخل منظومة التعليم السعودي، وشباب سعوديين، كثنائية (محمد قطب- سفر الحوالي) مثلاً، أو ثنائية (محمد سرور- سلمان العودة) وغيرها الكثير.. ابن لادن وعزام ذهبا معاً للعمل العسكري الميداني للتنظيم، وأما تلميذا قطب وسرور، فقد اجتهدا في سلك التعليم والدعوة في الداخل، للقيام بمهمة النشر الايديولوجي داخل المجتمع، وقد أبليا هما وغيرهما الكثير، في ذلك، بلاءً أقل ما ينعت به أنه مؤثر جداً، بل وصف هذين الأثنين تحديداً بأنهما أكبر رموز ما سمي بـ(الصحوة) في الداخل السعودي، والتي لازلنا حتى يومنا هذا نجني منها القذى والمصائب، والعلل والشرور والأسقام، الدينية، والمجتمعية، والفكرية، والثقافية، والحضارية، والأمنية وغيرها.. ونحتاج لوقت طويل للعلاج (الناجع) حتى نتعافى منها تماماً، وهنا تساؤل آخر: ترى هل وصلنا أصلاً لهذا العلاج؟ وما هي الطريقة الأنسب والجرعات اللازمة له؟ وكيفية تعاطيه؟ وهذا بحد ذاته مبحث آخر ليس هو موضوعنا الأساس اليوم.
غير أن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن انموذج (ابن لادن- عزام، سفر-قطب) يمثل أنموذجاً مهماً من العلاقات والتنظيم والافكار، وتوزيع المهام بين العمل العسكري المسلح، والنشر الايديولوجي والنشاط السياسي. فمتى ما استطعنا فهم هذا النموذج، سيسهل علينا استخراج النماذج الأخرى.. مع ملاحظة أن جيل الأخوان غير السعوديين الذي كان متواجداً بكثافة تلك الفترة، تحول تدريجياً ليصبح العنصر غير السعودي -تقريبا- غير موجود بشكل مباشر، إذ استطاع التنظيم الدولي تجنيد سعوديين تولوا هم فيما بعد تلك المسؤولية، وذلك الدور الذي كان يقوم به العنصر الأخواني الفلسطيني أو المصري أو السوري أو العراقي المتغلغل في التعليم السعودي إذ ذاك.
والملاحظة الاساس عند ابن لادن والحوالي أن كلٌ منهما يروج للآخر، ويثني عليه، وكل منهما يؤمن إيماناً كاملاً بأن مهمته الأساس هي استهداف المملكة العربية السعودية، وإسقاطها، بحجة أنها «عميلة للغرب الكافر» بزعمه، وإن لم يعلن سفر ذلك صراحة وانما ألمح له تلميحاً تهرباً -بزعمه- من المحاكمة، بيد أنهم في ذات الوقت يثنون على تركيا حزب العدالة والتنمية وهي عضو فاعل في الناتو، وحليف لإسرائيل ليس فقط تجارياً وسياسياً، بل وصناعياً وعسكرياً أيضاً. وفي الوقت الذي ما فتئ فيه الاثنان الحديث عن التواجد العسكري الأمريكي في المملكة إبان فترة الاحتلال العراقي للكويت، فإنهم لم ينبسو ببنت شفة عن القواعد العسكرية الأمريكية والأوربية في تركيا، كما أنهم في ذات الوقت يدافعون بمكر وخبث، بطريق غير مباشر، عن نظام عمائم الشر والإرهاب في طهران، ويبررون التعاون والتعامل معه ضد المملكة، بل وأزيد من ذلك، إذ قد يعتبرون النظام في طهران أنموذجاً يحتذى في الحكم الإسلامي كما صرح يوسف القرضاوي في كتابه «أمتنا بين قرنين».
ومن أراد أن يعرف اتجاهات وأهداف التنظيمات الأخوانية في المملكة تحديداً، سواء أكانت بنائية، أو قطبية سرورية؛ فليتمعن بمخرجات سفر الحوالي، والذي شهدت بنفسي كيف أن أعضاء فاعلين، وفي مناصب عالية وحساسة في مؤسسات تعليمية وبحثية رسمية كانوا يروّجون له ولكتبه ولأفكاره إلى وقت قريب، أما اليوم، فنراهم خنسوا، وأضحوا يرفعون الشعارات الوطنية. ولاشك أن هذا في صميم «فقه المرحلة» المذكور في أدبياتهم. ولن نطمئن حتى نجتثهم من أماكنهم، وأنا على يقين بأن من قصدته تحديداً يعرف نفسه، ويقرأ بتمعنٍ الآن هذه السطور، كونه حريص أشد الحرص على قراءة كل كلمة أكتبها.. وربما بحكم الاختصاص!
إلى اللقاء.