خالد بن حمد المالك
الشعب الكندي شعبٌ مضياف، يتعامل مع غيره برقي، وما صرَّحت به وزيرة خارجية كندا، وأيدها بذلك رئيس الوزراء الكندي لا يمثل الشعب الكندي، ويعارضه كثير من الوزراء والقادة السياسيين والمثقفين، ولهذا فإن اعتراضنا على كندا في تدخلها السافر بشؤوننا الداخلية يقتصر على مَن ارتكب هذا الخطأ الجسيم، ولا يمتد إلى الشعب الكندي، ولا إلى الرموز الكندية سواء التي رفضت هذا السلوك من الخارجية الكندية، أو تلك التي نأت بنفسها عن المشاركة في هذه الحملة العدوانية الظالمة.
* *
لهذا يجب أن يتأكد الشعب الكندي بأنه غير مقصود في الرد السعودي على الخارجية الكندية، وأن إيضاح موقف المملكة الرافض لتبني كندا لسلوك يقوم به عدد من المواطنين السعوديين، ويعرّض أمن المملكة للخطر، هو لكي لا يكون هناك خلط بين هذا وذاك، فتستغله العناصر الإعلامية المأجورة في التأثير والدفع به لزيادة الخلافات بين البلدين، مستغلة ابتعاد كندا عن تحليل المشكلة وأسبابها ومن كان وراءها.
* *
وعلى هامش هذا التدخل الكندي بالشؤون الداخلية للمملكة الذي رفضته المملكة على الفور وبأقوى لغة، وبالحزم المناسب لهذا التدخل الوقح، فإن من المناسب أن نشير إلى مواقف صدرت عن عدد من الشخصيات الكندية وفيها رفض لهذا السلوك المجافي للأعراف الدبلوماسية، فها هو وزير خارجية كند السابق جون بيرد يرفض افتعال كندا لهذه الأزمة مع المملكة، ويطالب رئيس الوزراء بأن يذهب بطائرته إلى الرياض لمحاولة إيجاد حل، مضيفاً بأن على كندا أن تكون في صف بلد حليف مثل السعودية في ظل التهديدات التي تواجهها، وأن تتحدث مع المسؤولين السعوديين بشكل مباشر. فيما قال السفير السابق لكندا بالمملكة ديفيد تشاترسون: الحقيقة المؤلمة هي أن العالم لا ينتظر من كندا أن تنتقد السعودية، هذا ليس ما تفعله معظم الدول، فالمخاطبة الانتقادية عن طريق التغريدات ليست الطريقة المثلى لبناء أي حوار، ودور وزارة الخارجية هو لحل الأزمات لا اختلاقها.
* *
لقد ادعت وزيرة الخارجية الكندية وسفارة بلادها لدى المملكة ادعاءات غير صحيحة عن موقوفين أسمتهم «نشطاء مجتمع مدني»، فيما أن هؤلاء تم إيقافهم من قبل النيابة العامة بتهم ارتكاب جرائم، وبحسب البيانات الرسمية فإنهم يعاملون وفقاً للإجراءات النظامية، وأن حقوقهم مكفولة، ولهم جميع الضمانات خلال التحقيق والمحاكمة، وهو ما تتجاهله كندا، وتحاول أن تغض الطرف عنه، والبديل أن تأتي لنا بقصص من خيال وزيرة خارجيتها وسفيرها لدى المملكة، وبدلاً من أن يصحح رئيس الوزراء هذا التصرف الأحمق لوزيرة الخارجية، فإذا به ينساق معها دون موقف واضح ترضى عنه المملكة.
* *
وإذا كانت القوانين الكندية لا تسمح لرئيس الوزراء إقرار أو تغيير أي قرار في المقاطعات الكندية، حيث إن سلطته تنحصر فقط في القوانين الفيدرالية، وكل مقاطعة تخضع لنظام خاص يقره المجلس الخاص بها، فكيف أعطت وزيرة الخارجية لنفسها الحق بهذا الأسلوب الفج في التدخل بالشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، والدفاع عن مجرمين في دولة ذات سيادة كاملة، مما يثير الشك في طبيعة العلاقة التي تربط هؤلاء المجرمين بالمسؤولين في الخارجية الكندية، وما إذا كان هذا الموقف الكندي يمثل مساندة لعناصر سعودية موقوفة تدين بالولاء لكندا ودول استعمارية أخرى، حتى ولو كانت تمثل خطراً على أمن الدولة السعودية واستقرارها.
* *
الأزمة الكندية مع المملكة رهان خاسر لكندا، ولن تقبض ثمناً له إلا بما عبرت عنه بيانات وتصريحات المسؤولين في المملكة، وعلى رئيس وزراء كندا أن يأخذ بنصيحة جون بيرد بالتوجه الفوري إلى الرياض لالتماس الحل هنا، فربما تسامحت المملكة، وأعلنت عن صفحها، وعودة العلاقات إلى وضعها الطبيعي.