أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: صدر كتاب استجد أكثره بعنوان (عمر الخيام)، وأناشيده، ورباعيات تنشر لأول مرة بترجمة (صادق هدايت)، وتقديم ومراجعة (غسان حمدان)، وصدر عن منشورات (الجمل) ببغداد وبيروت/طبعتهم الأولى عام 2017 ميلادياً /1438 هجرياً وأول مقطوعة من أناشيده عن (العدم) قوله:
[يا هذا الغافل: الجسد عدم
والفلك والدنيا سوداأ أم بيضاء عدم
كن مرحاً ففي مجلس الكون والفساد:
نحن عبيد اللحظة واللحظة عدم].
وترجمة (صادق هدايت) فقيرة جداً؛ لأنه لم يجر أدنى دراسة عن الوزن والموسيقى ما دام هذا التفلسف أناشيد؛ فالأناشيد ذات وزن وموسيقى؛ وذوو التخصص يضبطون ذلك بالوزن، ويستفيدون الضبط بالنبر.. بل المحققون منهم يحولونها إلى ألحان اللغة الأم؛ وهي اللغة العربية كما نجد ذلك عند أمثال (أحمد رامي)، ومترجم (حديث الروح)، وغيرهما؛ ولهذا أتعامل مع هذا النص على أنه نثر.. وأهم من ذلك كله محاكمة فلسفة (العدم): إما بتأييد إن كانت على صواب، وإما بتصحيح إن كانت خطأً؛ وإذن فهذه الترجمة فقيرة هزيلة من ناحية الموسيقى في الترجمة؛ ومن ناحية المحاكمة العادلة لمعنى النص ودلالته، ومن ناحية وضع علامات الترقيم في محلها؛ لأنها ذات دلالة، وكلمة (أم) في الشطر الأول في غير محلها، والصواب (أو)؛ لأنها لم ترد في سياق مثل (سواء أكانت كذا، أم كانت كذا).. وفي مدلول النص المنسوب إلى (الخيام) جهل أرعن بمعنى (العدم)؛ وأنا الخبير بالخيام من خلال ما حققته من سفر كبير نشر في هذه الجريدة على حلقات كثيرة، واستوعبت كل حلقة صفحةً كاملة من الجريدة؛ فالفلك ما كانت عدماً إلا قبل أن تخلق؛ وأما ذهابها بعد الخلق فهو (فناأ)، و(الفناأ) غير (العدم).. وهكذا الدنيا إذا كانت قبل آخرة؛ فهي فناأ، وربنا الخالق سبحانه وتعالى الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، والواحد في كل ذلك لم يكن متعطلاً عن التدبير طرفة عين؛ فهو يوجد من عدم، ويفني بعد إيجاد، ويبعث إذا شاء، و(والبعث) إحياأ بعد إفناإ، والإحياأ غير (العدم).. إلا أن (الخيام) على الرغم من عبقريته في التضليل، وصياغة الرباعيات وكل الأناشيد: ليس على دين صحيح؛ وإنما اصطنع النواح في الاعتراض على تدبير الحكيم العليم ربنا سبحانه وتعالى الرؤوف بالعباد.. وهو ههنا يكرر نفسه؛ إذ كرر معنى الترجمات التي منها: (واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان)؛ وتلك هي (الأبيقورية)؛ وهكذا قوله ههنا: (كن مرحاً)؛ أي بمقابل ما لا يريده من فساد الكون؛ لأنه حكم على نفسه وعلى غيره بأنه عبد لها، وأنهم عبيد لها ح وجعلها مهما طالت كمن مات وعمره (ثمانون عاماً): لحظةً، وعد اللحظة عدماً، وما أصاب في ذلك؛ فهي فناأ مؤقت بعد إيجاد من (عدم).. ثم قال (الخيام) في المقطع الثاني الذي نسب إليه:
[كل ما رأيت في الدهر وهم
والذي قلت أو سمعت خيال
باطلاً قد غدوت في الأرض تغدو
وكذا الإنزواأ في الدار آل ].
وههنا لم يذكر (العدم)؛ بل عبر بالوهم والخيال؛ والآل صفته أنه خيال؛ لأنه إذا بلغ منتهاه كما رآه: لم يجده شيئاً؛ وإذن فكيف يدخل الوهم في مادة العدم؟!.. إن العدم ما لـم يوجد، والتوهم تصور موجود على أنه موجود آخر، وبينهما تشابه، فالوهم إذن ليس عدماً؛ وهكذا الخيال ح فإن له معنيين: أحدهما أن يتخيل شيئاً لا وجود له في كليته؛ ولكنه موجود في جزئياته كتخيلك نعامةً منقارها من حديد، وريشها من نحاس خفيف شفاف؛ فهذا تركيب بين موجودين، وليس تخيل ما ليس موجوداً؛ فهو إذن ليس عدماً، والمعنى الثاني للخيال: أن ترى شيئاً يتموج فإذا جئت منتهى ما كنت تراه: لم تجده شيئاً؛ فأنت لم تتخيل عدماً، وإنما رأيت ما يبرق من السماء فوق الأرض أو فوق البحر؛ فهذا تخيل موجود؛ ومـحال تخيل العدم؛ وإذن فالوهم والخيال ليسا عدماً.. ومن الـمحال في هذا المنسوب إلى (الخيام): أن يكون الدهر كله في رؤيته وهم، وهكذا ما قاله أو سمعه غيره.. إلخ؛ وهو في نفسه واحد من أولئك؛ فكل ما رآه هو أو سمعه وهم وخيال؛ أي غير موجود؛ فكيف يرى أو يسمع غير الموجود ما ليس بموجود؟؟!!.. إن هذا من أشنع السفسطات التي وضع لها (أرسطو) منطقة إبطالاً لتضليل المتفلسفين المشائين؛ ولهذا لم يرد (أرسطو) بمنطقة عصمة العقل البشري بإطلاق؛ وإنما أراد عصمته من سفسطات المشائين، وقد بينت ذلك في عدد من بحوثي التي ناقشت فيها الإمام ابن تيمية رحمه الله في دعواه أن المنطق ليس عصمةً للعقل البشري بإطلاق، وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.