سلمان بن محمد العُمري
من الدعاوى التي انتشرت في الآونة الأخيرة ما يردده البعض، ويطالب فيه أن نقرأ كتاب ربنا من جديد، وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بعين منفتحة على طبيعة الأمور دون أن نتعسف في فهم النصوص، محتجين بأن ما تلقيناه من إرث علمي يحتاج لإعادة النظر والتمحيص فيه نتيجة لما يزعمون بأن هذا الإرث كتب في فترة تخلف المسلمين لعدة قرون، وإنه ظهر من حاولوا فهم القرآن الكريم دون أن تتوافر فيهم الشروط التي تؤهل لهذا الفهم السليم، وتؤهل للفقه الصحيح.
مثل هذه الكتابات والآراء هي التي يتشدق بها اللبيراليون والعلمانيون، ومن يسمون أنفسهم بالتنويرين مطالبين بإعادة قراءة النصوص الشرعية وفهمها بمقاصدهم لا بمقاصد الشرع، ولا شك أن هناك بعض الشطحات، ومحاولة لبعض أهل الأهواء، والباطل والهوى أن يُدْخِلوا على الإسلام ما ليس منه، ولكن قيض الله للعلم الشرعي من يحافظون على أصوله من كل دخيل، وهو ما أرشدنا إليه النبي صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم حينما قال: «يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». وهذا الأمر محفوظ بحفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه الكريم، ودينه القويم، وسنه نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وهؤلاء الأدعياء جاؤوا بلبوس المشفقين والغيورين على الدين وهم كالثعلب الذي خرج يوماً في ثياب الناصحين، هذه الدعاوى الباطلة يراد بها تشكيك الناس في ثوابت الدين وفي فهم سلف الأمة وما قدموه من خدمة في تفسير كتاب الله الكريم وتدوين السنة وكتب العقيدة والفقه وسائر العلوم الشرعية، ومن الافتراء والكذب على العلماء وعلى سلف الأمة وعلمهم وجهودهم أن هؤلاء ينسبون الانحراف الفكري والغلو والتطرف لدى الشباب وغيرهم إلى كتب السلف ويعضدون آراءهم بهذه التهم التي يطلقونها جزافاً.
إن علماء الأمة وخاصة علماء السلف كانوا أمناء على العلم الشرعي وأخلصوا فيما قدموا، وتوافر لهم مقومات العلم والبحث والاجتهاد مما يندر توافره في هذا الزمن، ولعل أحداً ممن ينتقد منهجهم لا يستطيع أن يقيم قراءة الفاتحة ولا يفرق بين واجبات الصلاة وأركانها.
لقد حرص سلف الأمة على هذه الأمانة ولعلي استشهد بما قاله ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح حين قال: (ينبغي أن يُفهم عن الرسول صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم مراده من غير غلوٍّ ولا تقصير، فلا يُحَمَّل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، بل سوء الفهم عن الله ورسوله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، ولاسِيَّما إن أُضِيف إليه سوء القصد، فيتَّفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده، وسوء القصد من التابع، في محنة الدين وأهله).
ولا شك أن دور العلماء والمؤسسات الإسلامية المعتبرة مهم في هذه المرحلة لبيان حقيقة الإسلام فيما يتصل بمواقف الغالين والمنقادين، ويجب على الجميع عدم التواطؤ على الأخطاء أو الانحراف عن جادة السلف سواء من الغلاة أومن الجفاة أو في رد افتراءات المفترين على الدين وأصوله.