د.محمد بن عبدالرحمن البشر
حكام إيران في موقف محرج مع شعبها، فالحقيقة أن الواقع أخذ يسير في طريق مظلم، فهناك ارتفاع في التضخم، وندرة في العملة الصعبة، وانهيار في قيمة الريال الإيراني، وتهافت كبير على التخلص من الريال الإيراني في سبيل الحصول على العملة الصعبة، أي كانت وبأي ثمن.
إن أقسى ما تواجهه الأسواق وإقتصادات الدول في العالم أجمع، هو عدم الثقة، ودرجة ذلك الشك أو عدم اليقين، والواقع الإيراني أن عدم اليقين قد بلغ ذروته وهو أخطر مايكون، لهذا لايمكن لبلد أن تستمر في اقتصاد لايثق أبناؤها في عملتها، وهذا يعني مزيداً من التضخم وارتفاع الأسعار المتسارع الذي لايمكن لأي إجراء حكومي أن يساعد في اللحاق به.
ولقد استقال مساعد رئيس البنك المركزي الإيراني، ورئيس دائرة العملات الصعبة، ومن ثم تم اعتقاله، مما يعني أن خلل ما حدث هناك، أو أنه خلل مستمر تم اكتشافه، أو أن ذلك المسؤول تمت التضحية به في سبيل إيجاد مبرر لخلل إداري، وسياسة نقدية وخارجية خاطئة، جعلت التوازن بين النقد الأجنبي والمحلي بعيد المنال.
هناك مظاهرات قائمة في إيران، ومن الخطأ ربط كل تلك المظاهرات بالعقوبات على إيران، فالشعب قد وصل إلى منتهاه من العوز، والحاجة إلى أبسط مستلزماته اليومية من مأكل ومشرب، وتلك المظاهرات قائمة ولم تنقطع قبل إعلان العقوبات، وبعد إعلانها.
اليوم وقد بدأ تنفيذ العقوبات، فالجرح سوف يزداد ألماً لدى الشعب الإيراني وستنتطلق المظاهرات هنا وهناك بشكل كبير لامحالة، فالبطالة سوف تزداد والتضخم سوف يتضاعف، وشح أبسط المتطلبات اليومية سيكون قائماً لدى الكثير من الشعب الإيراني، أما من هم نافذون مثل الحرس الثوري، فإنه لن يتغير عليهم شيء كبير.
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ العقوبات على بعض السلع الزراعية والمعدنية وهذا يعني أنه لابد لهم من إيجاد مشترى آخر، وبسعر أقل، وربما لاتجد الحكومة هذا المشترى، أو أن سعر التكلفة لن يغطي السعر المطلوب وهذا سوف يؤدي إلى كساد كبير، وبطالة مع ما هو قائم فعلاً.
لقد أعلنت أكثر من مائة شركة حتى الآن موافقتها على عدم التعامل مع إيران، والمزيد قادم مهما حاولت بعض الدول فعله من تعويضات، وسوف تحاول إيران جاهدة عمل كل ما تستطيع للالتفاف على المقاطعة، وإنشاء شركات بأسماء أخرى، والترتيب مع طرف ثالث في دول أخرى، لتصدر القليل مما وقعت عليه العقوبات.
التعامل بالدولار هو ضمن تلك العقوبات، وهذا يعتبر عقبة كبيرة في وجه النظام الإيراني، فالبيع والشراء في العالم يتم من خلال الدولار، وحرمان إيران من ذلك سيخلق لها مصاعب جمة.
مشكلة إيران الكبرى سيكون في الأشهر القادمة عندما تضع الولايات المتحدة النفط على قائمة العقوبات، فهو يشكل تسعين في المئة من مجمل صادراتها، لذا هو المصدر الأساسي للعملة الصعبة، وهو نبض الحياة الذي يعيش منه الشعب الإيراني البائس والبسيط، وهو الأداة التي من خلالها تتعاون بها الدول في أمور شتى، والصين تشتري خمسة وثلاثون في المئة من النفط الإيراني، وربما لاتستمر في ذلك لمدة طويلة، لكن ذلك لن يكفي، إضافة إلى أن الأسعار التي سوف تطلبها الصين ستكون أقل من السعر العالمي، وهذا يعني خسارة على دولة تئن تحت الفقر، يتوقع له المزيد.
المشكلة الكبرى في إيران أنه لا بارقة أمل للخروج من هذا الوضع السيء أبداً، طالما أنها مستمرة في سياستها الخاطئة جداً، وإيذاء جيرانها ومحاولة زعزعة الوضع في الدول الأخرى. وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أبدت رغبتها في الاجتماع مع الإيرانيين إلاّ أنها أكدت أن ذلك الاجتماع لابد من أن يؤدي إلى تغيير إيران تعاملها مع دول الجوار والتوقف عن دعم الميليشيات وغيرها.