فضل بن سعد البوعينين
تاريخيًّا، تعاملت المملكة مع قضاياها الأمنية الداخلية ذات البُعد الدولي بحكمة وتروٍّ، ووفق آلية تغلفها الدبلوماسية والسرية التامة، بل إنها تحمَّلت في بعض الأحيان تبعات تصرفات الأنظمة المارقة، والسفارات المتربصة حفاظًا على علاقاتها الدولية، والنأي بها عن بعض الملفات التي يمكن معالجتها والسيطرة عليها بعيدًا عن الإثارة الإعلامية والإجراءات الدبلوماسية الحازمة.
غير أن تفاقم بعض القضايا والملفات المعلقة، وبلوغها مرحلة الخطر المستوجب المواجهة العاجلة، يُخرج الدبلوماسية السعودية عن خطها المعتاد، ويجعلها في مواجهة مكشوفة وحازمة مع مصادر الخطر، أيًّا كانت. يمكن قراءة آلية تعامل المملكة مع القضايا الشائكة في إيران ولبنان وقطر واليمن، وكيف مرت بمراحل طويلة من الحكمة والأناة والدبلوماسية الحذرة الحريصة على العلاقات الأخوية المشتركة حتى وصلت إلى مرحلة المواجهة بعد استنفاد السبل، وجميع الحلول الدبلوماسية؛ فكانت المواجهة الحاسمة والحازمة.
الأمر عينه ينطبق على الملف الكندي الذي لم يكن وليد اللحظة، بل كان من الملفات المفتوحة لفترة من الزمن، ويتم التعامل معه بحكمة ودبلوماسية رفيعة، غير أن تجاوز الخارجية الكندية في تدخُّلها، وكشفها عما كانت تديره في الخفاء، وتبنيها قضايا الطابور الخامس الذي صنعه الغرب ضمن استراتيجية الفوضى الخلاقة، دفع حكومة المملكة لاتخاذ قرار طرد السفير الكندي، وتجميد العلاقات التجارية والاستثمارية والتعليمية.
تحولت بعض السفارات الغربية إلى مقار تجنيد العملاء، وتلميعهم، وتحويلهم إلى رموز حقوقية ومجتمعية، ومن ثم توفير التمويل المناسب لهم من أجل استخدامهم في تنفيذ خططهم الاستراتيجية. لم يتوقف الأمر على التجنيد والتنظيم والتمويل المالي بل أصبح بعض أعضاء الطابور الخامس من حملة الجنسيات الغربية إلى جانب جنسيتهم السعودية لتوفير الحماية لهم وقت الحاجة.
حصل عملاء الغرب في الداخل على كامل الدعم والغطاء الدبلوماسي، والتمويل السخي، وبدؤوا في تنفيذ خططهم التي ركزت على المرأة، وحقوق الإنسان، وضرب المجتمع من الداخل بهدف تفكيكه وانسلاخه عن قيمه الدينية والأخلاقية والوطنية. يجد المتمعن في أفراد الطابور الخامس خليطًا من المذاهب والمعتقدات، ومجموعة من الجهلاء الذين أبرزهم الإعلام؛ ليكونوا أداة في أيدي مسيريهم. تمدد الطابور الخامس خلال السنوات الماضية، واكتسب قوة وملاءة مالية، ومنعة غربية، أوهمت أفراده أنهم بمنأى عن المساءلة القانونية. استمعتُ إلى أحد الآباء المكلومين بابنته وابنه وهو يتحدث عن الطابور الخامس، وزوار السفارات، وتنظيم «حزب الله الحجاز»، ودورهم في إفساد الشباب من الجنسين بأفكارهم، التي أجزم أنها لم تكن فكرًا بل أداة استخباراتية ممقوتة.. ثم ربطتُ بين تلك الشكوى الأبوية المطالبة بمقاضاة أعداء الدين والوطن، بمن فيهم فلذات قلبه، ومطالبة السفارة الكندية بالإفراج الفوري عمن أسمتهم موقوفي الرأي!
فتح ملف دعم وتمويل «الطابور الخامس» يستوجب الكثير من الإجراءات الحازمة، وتتبُّع خيوط الجرائم المرتكبة ضد الوطن. لم يعد الصمت ناجعًا مع العملاء والخائنين والمخربين وإن توشحوا بوشاح الدبلوماسية. عهد الحزم لن يكون قاصرًا على الحزم الداخلي، بل الدولي أيضًا حتى وقف المخططات التخريبية، ومقاضاة العملاء والخونة.