محمد المهنا أبا الخيل
منذ أيام قال الشيخ محمد بن راشد المكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، في تغريدة له في تويتر «لدينا فائض من السياسيين في العالم العربي ولدينا نقص في الإداريين. أزمتنا أزمة إدارة وليست موارد.. أنظر للصين واليابان لايملكان موارد طبيعية وأين وصلوا..وأنظر لدولة تملك النفط والغاز والماء والبشر، ولا تملك مصيرها التنموي.. ولا تملك حتى توفير خدمات أساسية كالطرق والكهرباء لشعوبها».
عبارة الشيخ محمد عبارة صادمة في الوهلة الأولى، لكونها تصدر من رجل يقوم على أكبر إنجاز تنموي حضري لمدينة عربية، فدبي أصبحت مضرب المثل في تنظيمها وجمالها وعمرانيتها وقدرتها على الاستقطاب السياحي والمعيشي لكثير من ذوي الذوق الرفيع و الثروة، فهذه العبارة في مضمونها تعبرعن إحباط، وقد يكون هذا الإحباط نتيجة لمشاهدة ومعايشة واقع كثير من البلدان العربية التي تخلفت في ميادين التنمية وخصوصاً التنمية الحضرية، أو قد يكون نتيجة لسمو تطلعات الشيخ محمد لمدينته و قصور الموظفين في تحقيقها أو بلوغها كما يحب، وفي كلتا الحالتين يعبر الشيخ محمد في تغريدته عن واقع معاش في كثير من الدول العربية وغيرها من البلدان، وهو بين قوسين (قصور التنفيذ عن بلوغ الإرادة أو الخطة إن وجدت). وهذا أهم تحديات أي منظمة بشرية تسعى لإنجاز أي عمل وخصوصاً عندما يتعلق بالتنمية الوطنية.
أزمة العالم العربي في عدم تحقيق معدلات تنمية معيارية، كما أشار الشيخ محمد بن راشد هي أزمة مركبة من علل وفي كل علة داء وفي كل داء سقم، ومن الصعب مناقشة ذلك في مقال واحد، ولكن يمكن الحديث بعموميات تلك العلل والتي تتمثل في أربع علل ظاهرة وهي:
• علة التأهيل والاستعداد والتنمية الذاتية للقدرات والكفاءات
• علة الثقة والتردد والشك والخوف من الخطاء.
• علة التفويض والتخلي و التهرب من المسؤولية.
• علة الفساد والمحسوبية والأثرة والتشافع.
فعلة التأهيل جعلت كثيرا ممن هم على رأس منظمات هامة في الحكومة أو القطاع الخاص غير قادرين على تكوين علاقة تنفيذ بين المراد بالخطة والمستهدف بالتنفيذ، وتكوين فرق العمل المناسبة لذلك وتحصيص المهام والنشاطات وكيفية إسناد تنفيذها، حيث يحمل بعض هؤلاء مؤهلات علمية متواضعة لا تتناسب وما يتطلبه دورهم التنفيذي، ومع ذلك ليس لديهم الكفاءاة التحليلية والنقدية التي بها يتعرفون على قصورهم الذاتي، فيسعون لردم هوة التأهيل بإكتساب جديد للمعرفة والمهارة من خلال التطوير الذاتي، فمعظم هؤلاء تولى وظيفته بمؤهل عائلي أو صدفة خادمة، او تربع على سدة مؤسسة ورثها كابرا عن كابر.
وعلة الثقة هي برأيي علة العلل، فنظام الشركات وخصوصاً الشركات المساهمة العامة على سبيل المثال في معظم الدول العربية يفصل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي ويجعل مسؤولية الإدارة والذمة المالية للشركة ملقاة على عاتق مجلس الإدارة والذي في المعتاد ينقاد لرؤية وقرارات رئيسة، أما الرئيس التنفيذي فهو يستمد صلاحياته ومسؤولياته من مجلس الإدارة، وبقدر ما تكون الثقة والتجانس بين رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي يكون التفويض في الصلاحيات والثقة بقررات وتصرفات الرئيس التنفيذي، وبقدر ما يحدث من تباين، يصبح التداخل بين دور الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة فيزداد الشك بتقارير الرئيس التنفيذي ويستبد الخوف والقلق بين الرئيس التنفيذي وطاقمه من المساعدين والنواب وتكثر المؤامرات والوقيعة ويصبح الشعار «الحماية من الخطاء» فيقل الإنجاز ويكثر التسويف والدراسات والجدالات والاجتماعات التي لا فائدة منها.
العلة الثالثة هي علة التفويض وهذه مرتبطة بصورة شبه حتمية بالعلة الثانية، فالخوف من الخطأ يؤثر في صحة التفويض، فالتفويض مسؤولية وفي سيادة مشاعر القلق والخوف المؤسسي، لا أحد يريد التفويض والصلاحية، الكل يريد أن يسبق توقيعه توقيع شخص آخر أو آخرين، فتكثر التقارير والمحاضر ويصبح الإجراء في أطول صورة، حيث يكون الإجراء أهم من الإنجاز، ويكثر التخلي عن المسؤوليات إما برد الأمر لمزيد من الإيضاح أو بالغياب المقصود ولمدة طويلة حتى يزول خطر الوقوع بالخطأ.
العلة الرابعة وهي علة تنمو في حال سادت كل العلل، فالفساد هو النتيجة الحتمية لكل إجراء طويل أو معيق بلا مبرر أو لكل إجراء محكوم بمركزية التفويض و صلاحية مفتوحة للاستثناء الخارج عن الأطر والمعايير، وكل فساد مهما صغر يجر لفساد أكبر فالمحسوبية فساد صغير يعتبر مجاملة وتنمية علاقات وتقدير وتكريم لذوي الشأن، ولكنه يقود لأثرة وإعطاء حق لمن لا يستحق، وحجب مصلحة لمستحق وفتح باب لمن لا يمتلك الوجاهة والحظوة أن يستشفع بشافع وسيلته الرشوة، وهكذا تتكون الثروة لدى صاحب الصلاحية المفرطة ويرى ذلك منه الزملاء ممن لا يملك قدرته، فتتفتح لدى بعضهم ذهنية المستكسب، ويبتدع الطرق والوسائل لتسهيل الاختلاس والتحايل في المعاملات، وهكذا يصبح الفساد المجهول المعلوم في كل إنجازات المؤسسة.
هذه هي العلل التي تجعل الإنجاز في بعض البلدان أمرا مستحيلا، وإن تحقق فبأبهظ الأثمان والتكاليف، وهذا الأمر لا علاقة له بجنسية محددة، فهو في الصين وفي اليابان بقدر ما هو في بلدان العرب، العبرة هي في كيفية معالجة تلك العلل، وهذا الأمر منوط بذوي الرأي والرؤية من القادة الكبار في بلدانهم.