د. خيرية السقاف
جميع الإجراءات التي فعلتها المملكة مع كندا تهز نوم الدول جميعها بمراتبها في العالم, التي تحسب أنها قادرة على تحجيم غيرها, والتدخل في شؤونه السيادية, لكن المملكة أرادت أن تحد الحدود, وتقيم الخطوط, وتشعل الذواكر, وتهز الكتوف هنا عليكم أن تقفوا, فقفوا..
هذه دولة مستقلة ذات تاريخ وعراقة, ذات دور عالمي, وحضاري, وتاريخي, مصدر ثروات, ومنبع حضارات, دولة مستقلة مذ نشأت هي أم, وحاضنة للقيم, وحسن العلاقات, واحترام الحدود, إن رغبت في التقارب بسطت السبل, وإن شاءت التبادل أقامت الأوتاد, وإن دُعيت للعطاء مدت بسخاء, إلا أن تفكر أي دولة ما مَن تكون, وفي أي المراتب من سلم الأمم موقعها في أن تتجاوز حدها معها, أو تتدخل بظنها في قدرتها عليها, أو تمد في صميم شأنها اعتقادا بمكانتها, فإن السعودية تنهض بقوة لردعها ولو كلفها الأمر تجميد العلاقة معها, وقطع الصلات بينهما, وسحب مواطنيها منها, وإغلاق باب استثماراتها فيها, وتبادلاتها معها, فالخسارة الكبرى أن تفرط في خيط واحد من نسيج سيادتها ولا تفعل السعودية هذا, إذ يعلو مكسب السيادة الذاتية فتنحاز لحقها, ومكانتها, وسيادة قرارها, وشأنها الداخلي الذي لا علاقة لأي دولة به, فلكل دار أمره, ولكل دار بابه, وقفله, ومفتاحه مهما أشرعته للجميع, لكنها متى شاءت فتحته للطارقين النبلاء, ومتى لم يشأ أغلقه دونهم المتطفلين..
فالحرية المطلقة هي للسيادة المطلقة داخل الكيان, وشؤونه الخاصة..
ولأن «كندا» ليست أول من عومل بهذا القرار الحازم, وهو تجميد العلاقات معها, وتصفية كل ما يمت بها من تحويل المبتعثين لدول أخرى, وإعادة المواطنين الدارسين على حسابهم, واستعادة كل من يقدم خبراته بين يدي مؤسسات كندا الطبية, والبحثية, والعلمية, والتجارية, فإنه الدرس الذي أطلق محتواه على آذان العالم ملك الحزم, وقائد الحكمة, بأنه لن تكون «كندا» آخر من سيفقد العلاقة, والتبادل, ومشاطرة اللحمة الدولية, بل كل من تسول له نفسه, ويظن في قدرته أمرا ليقف وليفكر ألف مرة قبل أن يطلق ثقته فيما ليس له مع كيان هذه الدولة العريقة..
إن موقف المملكة من كندا مؤخرا درس جاد, عالي الصوت, دقيق التفاصيل ليعلم الجميع أن لا سيادة لدولة على سيادة المملكة, وأن لا قوة على الأرض بإمكانها أن تتجاوز النسيج, أو تقتحم السياج..
وإن السعودية ليست غير رجل واحد بكل مواطنيها المنحازين لقراراتها, ومواقفها, والمتفقين على مصالحها, وقدرتها..
فشمس سيادة السعودية مشرقة تحرق كل من يقتحم فضاءها, أو يرش في وهجه غثاءه.