د. محمد عبدالله الخازم
الوقت إجازة ولا تريد أن تثقل على القراء، تحن إلى صوت بلادك، فتذهب بلا تردد إلى سماع (صوت الأرض) الراحل طلال مداح. وتفرح عندما تجد أن قوقل تحتفي بذكراه في صفحتها الأولى ومحبيه يتداولون مقاطع أغانيه التي تمثلهم في حب الوطن، في العشق، في الوله، في السهر، في الشجن، في الشكوى، في الفرح، في الغربة، في الحب، في الجفا، وفي كافة أحوالهم. العجيب في ظاهرة صوت الأرض هو أنه رغم تعتيم القنوات الإعلامية وعدم بثها أغانيه، ورغم أنه يمثّل شريحة عمرية سابقة ورغم أنه انتقل إلى رحمة خالقه منذ ثمانية عشر عاماً، لا يزال ضمن أعلى المطربين الذين يسمع لهم السعودي والعربي. طبعاً لن نقول المبيعات حتى لا يحتج علينا الأحياء فأغلب تراث طلال الغنائي متاح بالمجان لجمهوره عبر وسائل الاتصال الحديثة.
عندما نحتفي بالوطن فإن أول أغنية نفكر في سماعها هي وطني الحبيب التي غناها طلال قبل عقود طويلة من الزمن، وعندما نحتفي بالصباح نبعث لأحبتنا وردك يا زارع الورد صبح صباح الخير، وعندما نشجع المنتخب ندندن يا ناس الأخضر لا لعب وعندما تتعب أحبتنا الهموم نشاركهم تعالي نقسم الشكوى، وفي نهاية الأسبوع أحلى الليالي تراها ليلة الجمعة ومع صوت المطر نتخيل طفلة تحت المطر يبتل شعرها وفي منتصف العمر نحتفي بالأربعين من العمر.. وهكذا طلال يرافقنا في كل حالة. وحتى عندما احتفينا بعكاظ والطائف لم نجد أحسن من (جينا من الطايف والطايف رخا والساقية تسقي يا سما سما). طبعاً مع بعض الغصة في تعدي أو إعادة أغاني الراحل طلال مداح إلى هواة لا يراعون حقوق الملكية الفكرية ولا يجيدون الأداء كما يليق بصوت الأرض.
يجادلني البعض في مقارنات المطربين فأحاول أن أوضح لهم الفرق بين مفهومين؛ هناك Artist وهناك singer وفق المفهوم باللغة الإنجليزية والفرق بينهما أن الأول يتجاوز مجرد الغناء إلى التأليف الموسيقي والاكتشاف والتجريب في اللحن والكلمة وبفعل هذه الشمولية يتحول إلى مدرسة داعمة ومكتشفة للأصوات المختلفة لأن الإبداع لديه يجعله منفتحاً على مهمة الأستاذ الداعم والمحفز. هذه العينة أبرز من يمثلها طلال مداح وأبو بكر بالفقيه في بلادنا، بينما الثاني ويقع ضمنه غالبية مطربينا السعوديين هو إجادة الغناء فقط، يمتلكون حنجرة جيدة لأداء لون تقليدي لكنهم لا يملكون القدرة على التأليف والتجريب والتنويع والاكتشاف وبالتالي هم فاقدون لمعنى الأستاذية لأنه لا معنى ولا فكر ولا فلسفة أو روح تدعم تتويجهم بذلك. طبعاً لكل مطرب جماهيره وتقديره، حيث السماع ذائقة بالدرجة الأولى، لكننا هنا نشرح ظاهرة طلال أو صوت الأرض كما تسميه الجماهير أو زرياب كما لقبه الموسيقار محمد عبدالوهاب. ظاهرة النجومية التي تتنامى رغم موت صاحبها.
رحم الله طلال مداح، ولست أفهم لم هذا الجفا في إذاعة إبداعه، كما لست أفهم لم لا يكون هناك قاعة أو مسرح أو مدرسة موسيقية باسم طلال مداح عرفاناً بكونه صوت الأرض السعودية وأيقونة الفن السعودي التي لا تغيب شمسها وإن غاب صاحبها، رحمه الله وغفر له.