خالد الدلاك
يعد زميلنا وأستاذنا والمربي الفاضل عبدالرحمن صالح المصيبيح - رحمه الله وأسكنة فسيح جناته- حالة نموذجية وفريدة بل ونادرة لإعلامي قنوع رضي لنفسه ومنهجيته ومهنيته مسلكا وطريقا وأسلوبا يخدم الوسيلة الإعلامية قبل أن يخدم الغاية الشخصية والرغبة الفردية، رضي من خلالها أبو بدر أن يكون في الظل بعيدا عن شمس الأمل والعطاء التي فضل أن يعيشها وينعم بها غيره، كما قبل بكل نفس قنوعة وراضية وسعد أن يكون شمعة تحترق لتضيء دروب الفلاح والنجاح للآخرين، وتجسد ذلك برفضه لكل المناصب والمراكز العليا المغرية والبراقة والتي كان يستحقها بحكم الخبرة والأقدمية والقدرة بل وبروح النظام وقوته، لا لشيء ولكن لثقته في نفسه أولا ويقينه وتأكده ثانيا بأن العمل الميداني والمباشر، سواء في سلك التدريس أو في بلاط صاحبة الجلالة هو من يقدم أجيالا علمية متعلمة ومادة إعلامية غنية ودسمة، وثمة شيء آخر وملفت للنظر والبشر وهو أن الفقيد كان يتماشى ويتناغم ويتفق مع كل مدير ومسئول جديد أو قديم صغر سنه أو كبر، يقدم لهم نفس الإخلاص والعطاء ويبادلونه الاحترام والتقدير والوفاء، كما أن هناك شيئا آخر جعل المرحوم ظاهرة فريدة وسحابة ممطرة من الرحمة والرأفة والحرص على خدمة الجميع وراحتهم وسعادتهم وهي أن مجال عمله وعطاءه وتغطياته تركز على زيارات المرضى المنومين والمصابين في المستشفيات ومشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم، فتجده في صالات الأفراح لتهئنة المحتفلين الفرحين وفي سرادق العزاء لتغطية مناسبات الحزينيين المكلومين، مما يعني أنه يقدم رسالة متفردة تخدم المجتمع قبل الفرد والجماعة، وبالطبع، فإن كل هذا التاريخ العظيم والطويل سواء في الإعلام أو التعليم أكسب الراحل علاقات عديدة وروابط متينة ومعرفة قوية مع مسئولين أصحاب سلطة ولهم قدرة ونفوذا في التأثير واتخاذ القرار، كل هؤلاء لم يستأثر بهم لنفسه وقضاء مصالحه، بل كان النصيب الأكبر والأعظم من تلك العلاقات يستخدمها ويسخرها لقضاء حوائج الناس ومستلزماتهم الدنيوية كطبيعة حياة ومتطلباتها وفي هذا الجانب لا يرفع تلفون أو خطاب توصية بل يذهب بنفسه ليقابل المسئول لينهي الموضوع حتى لا يترك مجالا للتردد في تنفيذه وإنهائه وبكل روح سمحة ووجه مبتسم، وحتى وهو يغادر دنيانا رحل عنا فجأة وبدون سابق إنذار أو وداع، لأنه لم يشأ أن يزعجنا بزيارة تتقطع قلوبنا خلالها بآهات المرض وأنين الموت.
رحم الله غصنا مثمرا انقطع وسقط بعد أن كان شجرة عملاقه تعد ظلا وارفا وعطاء سخيا وقلبا نقيا قدم الحب والجاه للناس وكسب احترامهم وحبهم. وغفر الله لك يا معلما وموجها اهتزت وحزنت لموته بساتين الفرح والسعاده ونكست لفراقه أعلام الحب والسيادة..
أبابدر.. إن القلب على فراقكم ليحزن والعين لتدمع ولا نملك إلا أن ندعوا الله العلي القدير أن يثبتكم عند السؤال ويجعل قبركم روضة من رياض الجنة، وأن يجعل ما أصابكم كفارة وطهورا إن شاء الله ولا نقول في الختام إلا ما يرضي الله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. نافذا فينا حكمه، قاضياً فينا أمره، له ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بحساب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.