د.عبدالمحسن فهد المارك
تعتبر اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م العمود الفقري للعلاقات الدبلوماسية. وقد حددت المادة (41) من الاتفاقية أن على الدبلوماسيين واجب عدم التدخل في الشئون الداخلية للدولة المضيفة وهذه الاتفاقية ملزمة وواجبة التطبيق والاحترام لكل الدول التي وقعت عليها وتقيم علاقات دبلوماسية وترسل أو تستقبل بعثات دبلوماسية.
وقد حرصت المملكة العربية السعودية منذ أن بدأت باستقبال وإرسال البعثات الدبلوماسية على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة.
وكانت التعليمات من قبل وزارة الخارجية السعودية إلى الدبلوماسيين السعوديين بالخارج بأهمية الالتزام واحترام قوانيين وتعليمات وأعراف وعادات الدول المضيفة، وعدم التدخل في شئونها الداخلية. وأقيمت الدبلوماسية السعودية على قواعد واضحة ثابتة مبنية على الشريعة الإسلامية والشيم العربية التي تعتمد على احترام الجوار والوفاء بالعهود والالتزام بالمواثيق والاتفاقيات والمعاهد الثنائية والدولية وعدم التدخل في سياسة غيرها.. وهذا ما أكسب الدور السعودي في المجتمع الدولي وفي المنظمات الدولية سمعه طيبة ومكانة بارزة بين الدول وأصبحت المملكة ولله الحمد دوله لها ثقلها الدولي والمميز في صدق نواياها.
ومما يلاحظ عن مكانة المملكة نوعية السفراء الأجانب والعرب المعتمدين لدى المملكة في العاصمة الرياض فمعظمهم من كبار الدبلوماسيين أو الشخصيات البارزة في بلادهم وهو ما يسمى بالعرف الدبلوماسي سفراء كبار (senior ambassadors) والسفراء الخليجيون كلهم من الأسر الحاكمة، بل إن معظم سفراء الولايات المتحدة الأمريكية الذين عملوا بالمملكة تكون اتصالاتهم بالرئيس الأمريكي مباشرة.. كما أن كثيراً من الدول يكون سفيرها المقيم بالمملكة غير مقيم في دول مجاورة أخرى. ويظهر اهتمام المملكة بالضيوف الدبلوماسيين عندما قامت بإنشاء حي دبلوماسي جميل في غرب مدينة الرياض، وكان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- عندما كان أميراً لمنطقة الرياض دور كبير في تنظيم وتحسين وتجهيز وتأمين كافة الخدمات والتسهيلات والإجراءات الأمنية في الحي، فأصبح أفضل وأكبر حي دبلوماسي في العالم. الأمر الذي جعل كثيراً من الدبلوماسيين العاملين بالمملكة يحرصون على تمديد فترة عملهم لما يجدوه من كرم الضيافة وحسن المعاملة والاحترام بدون تميز والأمن والأمان.
ومن الواجبات الرئيسية للبعثة الدبلوماسية لدى الدولة المضيفة وفقاً للمادة الثالثة من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية هو توطيد أواصر العلاقات الودية وتدعيم العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمدة لديها والدولة المعتمدة.
من هنا نجد أن بيان وزارة الخارجية السعودية تجاه ما صدر عن الخارجية الكندية وسفارتها بالمملكة يتماشى تماماً مع القوانين الدبلوماسية والأعراف الدولية. وكما أكدته الوزارة أن الموقف الكندي يعتبر تدخلاً صريحاً وسافراً في الشئون الداخلية للمملكة ومخالفاً للأعراف الدولية وتجاوزاً على السلطة القضائية في المملكة وإخلالاً بمبدأ السيادة.
هذا الموقف الدبلوماسي السعودي الحازم ليس جديداً ويعتبر رسالة تجدد وتؤكد فيها المملكة حزمها وحرصها على سيادتها واهتمامها بعدم قبول لأي دولة كانت التدخل في شئونها الداخلية انطلاقاً من مبادئها وقيمها بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.
أسأل الله -عزّ وجلّ- أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأن يديم نعمة الأمن والأمان والاستقرار على الوطن والمواطنين.