محمد آل الشيخ
الغربيون يتذرّعون دائماً بما يسمونه حقوق الإنسان عندما يتدخلون في شؤون الآخرين. حقوق الإنسان، والزعم بأنهم يدافعون عنها، كقيم ومبادئ، كثيراً ما تؤدي الاستجابة لضغوطاتها، والإذعان للمنادين بها، إلى تضعضع هيبة الدول عندما تتراخى سلطاتها الأمنية في التعامل مع من يريدون هز أمنها واستقرارها بحزم وقوة. ربما تذعن بعض الدول لهكذا ضغوطات إذا كانت اقتصادياتها تحتاج إلى دعم من تلك الدول، أما إذا كانت الدول في غنى عن أي مساعدة أو مساندة فإن هذه الضغوطات عملياً لا قيمة لها.
المملكة منذ قيامها حاول كثيرون التدخل في شؤونها، ومحاولة (لي ذراع) السلطات فيها، بمثل هذه الابتزازات، لكنها تعلَّمت منذ عبدالعزيز وحتى سلمان بن عبدالعزيز أن من يحاول المساس بهيبتها وزعزعة أمنها واستقرارها، سواء في داخل المملكة أو خارجها، فإنها ستتعامل معه، أياً كان، بقوة وحزم لا يعرفان التراخي ولا التردد، مهما كانت التبعات. وغني عن القول إن حكومة الملك سلمان هي من أقوى فترات المملكة حزماً وقوةً داخلياً وخارجياً، وقد تجلَّى ذلك في كثير من الأحداث التي مرت ولا تزال تمر بها؛ والسعوديون الوطنيون يؤمنون أن اللبنة الأهم في ترسيخ الأمن والاستقرار هي في التلاحم بين القمة والقاعدة. خاصة بعد أن أدركوا إدراكاً شبه تام أن الدول العربية التي اجتاحتها أعاصير القلاقل والثورات الدموية كان من أهم أسبابها على الإطلاق الشرخ بين القمة السياسية والقاعدة الشعبية، لذلك أيقنوا أن التفاف الشعب حول القمة سينعكس إيجابياً على أمنهم واستقرار بلادهم.
وهذا ما فات على السفير الكندي إدراكه؛ لذلك كانت ردة الفعل الدبلوماسية من حكومة المملكة على تصريحات ذلك السفير قوية وحازمة وصارمة؛ وليس لدي أدنى شك أن ذلك الموقف الحازم سيلقن ليس كندا فحسب، وإنما جميع الغربيين، درساً مفاده أن التدخل في شؤوننا الداخلية، مهما كانت الذرائع والمبررات، خط أحمر، لا مساومة عليه، ولسنا في حاجة لهم، ولا لمساندتهم أو مناوأتهم، ونحن لا هم نعلم كيف ندير سياساتنا في الداخل والخارج، وكل من حاول أن يتجاوز هذه الخطوط الحمراء فإن التبعات على علاقتنا بهم ستكون فعلاً لا قولاً وخيمة.
من هذه القناعة التي لا تقبل المساومة ولا الجدال تأتي مواقفنا، وتنطلق تعاملاتنا؛ والمملكة ليست فقط قوة اقتصادية، وإنما هي أيضاً قوة إقليمية، يحمل كيانها عوامل متجذّرة في التاريخ، ومكانة روحية، ففيها أقدس بقاع الأرض بالنسبة للإسلام والمسلمين، كما أن موقعها بين آسيا وأفريقيا، يجعلها من منظور جيوسياسي غير تلك الدول ولا الدويلات التي تفتقد لمثل هذه الأبعاد. إضافة إلى أن المملكة لم يأت قادتها إلى السلطة من على ظهر دبابة، ولا من خلال انقلاب عسكري في ليلة كالحة السواد، وإنما من خلال نضال أهلها وتلاحمهم الذي انتهى بوحدة راسخة، جذورها ضاربة في أعماق أرضها وفروعها تلامس السحاب.
لذلك فالمملكة ليست ليبيا ولا سوريا ولا حتى إيران، للعوامل الموضوعية التي ذكرت؛ ومن يظن من الغرب أو الشرق، أو حتى من انتهازيي الداخل ابتزازنا، فلا يلومن إلا نفسه.
إلى اللقاء