د.ثريا العريض
أعود إلى قول الرئيس دونالد ترامب بأنه يرغب في أن يرى منظمة خليجية على غرار «الناتو».. فكرة تستحق التأمل بغض النظر عن تقلبات مواقف مقترحها بين المن على حلفائه في الناتو مهددًا بقطع إسهام بلاده في حمايتهم، وتهديد الأنظمة المناوئة له بدكها على رؤوسهم، ليعود ويعرض عليهم الجلوس للحوار.
ونحن نراقب ما يحدث للتكتلات الدولية في أوروبا وإفريقيا وآسيا هل حان الوقت لتفعيل تكتل خليجيي؟ والارتقاء في مواجهة مستجدات ضارية الترصد إقليميًّا، إلى كيان فاعل ومتكامل على كل الجبهات؟
زمننا يتطلب أن نقف معًا، ونحمي أمننا ومصالحنا ومميزاتنا من تطاول أي عدو من الخارج.. وأي غدر خسيس من الداخل, وأن نرأب أي تصدع, ونرتق أي فتق؛ لتكون دفاعاتنا مشتركة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا.
بلا شك.. والحمد لله أن الخطوات الأولى قد اتُّخذت بتأسيس مجالس التنسيق الثنائية. نحن خليجيًّا أمام تحديات وضغوط لا تسمح بالانفراد في مواجهة خطر التفتيت، ونملك من جوانب القوة - إنْ تكاملنا - ما يحفز على تسريع خطط التكامل وتفعيل الإجراءات. لا وقت هناك لإضاعته في عالم متسارع المتغيرات، ومتصاعد الضغوط.. فلنتوقف عن التنقيب كل على حدة عن أين أخطأنا في الماضي, ونركز على توضيح ماذا يجب أن نفعل لبناء المستقبل الذي نرغب فيه. الرغبات لا تتحقق إلا بالعمل الجاد على أرض الواقع. وعلينا أن نتبين تفاصيل الأوضاع القائمة؛ لنؤسس مستقبلاً نضمنه بأنفسنا:
اقتصاديًّا: الاعتماد على سواعد ومهارات الغير كان ضروريًّا لإكمال مشاريع البناء، والانتقال من مجتمعات ما قبل المأسسة إلى دول حديثة، تقوم على مؤسساتية متحضرة. ولكن العقبة بالتساهل في تدفق ملايين عبر الحدود حتى قاربوا الـ80 % من الأعداد السكانية في بعض دول الخليج، تستهلك موارد هذه المنطقة ماليًّا وعينيًّا، وتضاعف استنزاف الموارد واستهلاك البنى التحتية, وتعرِّض المنطقة لخطر قلقلة مستقبلية من الجاليات المتسللة إذا تجذرت دون ترشيد. والطريق لمنع تسرب المليارات إلى خارج دورة الاقتصاد أن نعود للاعتماد على تأهيل سواعد وعقول أبنائنا وبناتنا، وبناء مهاراتهم. وعلى أبنائنا وبناتنا أن ينظروا للوضع بمواطنة ونضج. لا تتحقق الأحلام بالصراخ والمطالبة بدعمهم ماديًّا فقط.
سياسيًّا: لوم أنفسنا أو الغير لا يحل مشكلتنا. لنتوقف عما اعتدناه من السماح للغير بتقرير مصيرنا عبر استمرارنا في الثقة المفرطة. قد لا نستطيع بدءًا التحكم فيما يريده الآخرون لنا عن قرب أو عن بُعد, ولكننا نستطيع التوقف عما اعتدناه من تقبلنا لهم كآباء أو حماة، لن يتخلوا عنا لأننا أوفياء.. ليس في السياسة صداقات أو عداوات دائمة؛ بل مصالح ذاتية.
علينا أن نحدد بأنفسنا ما نريد أن نكون لاستدامة قوتنا. اهتراء قيمنا الذاتية، وعرف التبعية الفكرية، أضعفا قدرتنا على مواكبة المستجدات، وبررا للآخر وصمنا بالتخلف والتوحش. الضعف ليس في انعدام القوة العسكرية, بل انعدام قدرة بناء الاقتصاد واستدامة قوته ذاتيًّا. وسيستمر الضعف إن استمر تهاوننا أن يبقى تعليمنا ضعيفًا في العلوم والابتكار، ومليئًا بمحتوى تاريخي وسردي يحشو الذاكرة، ولا يحفز الإضافة أو التجديد.
علينا أن نحدد أين نريد أن نكون، ونتجه إليه بدءًا بالخطوات الأهم:
1- تدعيم بناء الشعور بالانتماء عبر تجريم أفعال الإقصاء والكراهية، وحماية ومساواة الحقوق الفئوية والفردية.
2- تقوية أجهزة الأمن الداخلي والخارجي بنظام مشترك لدول التكتل.
3- تسهيل حركة تنقل المواطنين عبر الحدود في دول التكتل لإسهام كل الفئات في البناء العام.
4- توفير فرص التدريب على رأس العمل للتمكين وتوطين المهارات.
5- تعديل أوضاع جهاز التعليم، والتركيز على التعلم، والرقي به إلى بناء قدرات النشء بالمهارات الفكرية والتحليلية والاستنتاجية وتعوُّد العمل اليدوي والتقني، وتكوين طاقاتنا الخاصة من المبتكرين.
6- الاستغلال الأمثل لكل مواردنا الطبيعية والبشرية.
7- استمرارية متابعة ورصد المتغيرات داخليًّا وخارجيًّا للخروج بالقرار من إدارة الأزمات إلى منع حدوثها مسبقًا.
مع الرؤية الجديدة التي من مميزاتها أنها فعلت كل القرارات الصائبة التي لم تتحَ لها ظروف الماضي أن تفعل، هناك مجالات رائعة للنمو كمجموع، يطمح للحرية والصدارة والسعادة، ويجرؤ على أن يحققها بقدراتنا الذاتية.