فضل بن سعد البوعينين
سيطرت السياسة على الاقتصاد زمنًا طويلاً، ثم انقلب الاقتصاد عليها؛ وبات محركًا رئيسًا لها، والمتصرف بشؤونها. أصبحت الشركات الكبرى العابرة للقارات أكثر قدرة على التأثير الدولي، وباتت الاستثمارات المالية المحركة للمواقف السياسية، والداعمة لتقارب الشعوب والحكومات. وبعد أن كان الساسة والدبلوماسيون يسيطرون على الوفود الرسمية المصاحبة لرؤساء الدول في زياراتهم الدولية، أصبح رجال المال والأعمال ورؤساء الشركات عصب الوفود الرسمية الساعية لخلق شراكات اقتصادية متقدمة قادرة على تعزيز العلاقات الدبلوماسية، وليس العكس.
الاقتصاد عصب الحياة، ومحرك العلاقات الدولية، ومن خلاله تبنى الاستراتيجيات المستقبلية، بل أزعم إن غالبية القرارات السياسية التي اتخذتها الدول الصناعية الكبرى في حالتَي الحرب والسلم بُنيت على أهداف اقتصادية صرفة.
تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع ملف الاقتصاد وفق نظرية «العصا والجزرة» في علاقاتها مع المجتمع الدولي؛ لذا عمدت إلى الملف الاقتصادي الأكثر إيلامًا وتأثيرًا في تعاملها مع إيران من أجل حملها على تغيير سياساتها في المنطقة والمجتمع الدولي، وهو الملف نفسه الذي استخدمه باراك أوباما لتحفيز إيران على القبول بالاتفاق النووي حين توقيعه. ومن جهة أخرى، يظهر الموقف الأوروبي الداعم لإيران (أكثر الدول خرقًا للقوانين الدولية، ودعمًا للإرهاب، وانتهاكًا للحقوق) منغمسًا في المصالح الاقتصادية والمكاسب الاستراتيجية.
يبدو أن جانب المصالح السياسية والاقتصادية كان غائبًا عن وزارة الخارجية الكندية وسفارتها في المملكة حين تدخلت في شؤون المملكة الداخلية بطريقة تفتقر إلى أبجديات العلاقات الدولية وأدبيات الشؤون الدبلوماسية. خالفت وزيرة الخارجية والسفارة الكندية الأعراف الدولية بتدخلها في الشأن الداخلي السعودي، وتبنيها ما أسمته «ملف نشطاء المجتمع المدني»، وتقديمها ادعاءات غير صحيحة ومجافية للحقيقة؛ وهو ما استوجب الرد الحازم من حكومة المملكة العربية السعودية التي شددت على رفض أي نوع من أنواع التدخل المنافي للسيادة والأعراف الدولية، أو إصدار الإملاءات الجوفاء التي تنم عن قصور في الفهم، وتجاوز غير مقبول للسلطة القضائية التي تتعامل مع ملف الموقوفين بنزاهة مطلقة، وعدالة تكفلها الشريعة السمحاء. وزارة الخارجية السعودية أكدت أن المملكة لم ولن تقبل التدخل في شؤونها الداخلية، أو فرض إملاءات عليها، واعتبرت الموقف الكندي هجومًا على المملكة؛ يستوجب اتخاذ مواقف حازمة.
العلاقات التجارية كانت في مقدمة الإجراءات التي اتخذتها المملكة للرد على تدخُّل كندا في شؤونها الداخلية؛ إذ أعلنت تجميد التعاملات التجارية والاستثمارية كافة بينهما. سعت كندا لتعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية مع المملكة، ورفع التبادل التجارية إلى مستويات أعلى من مستوى 13 مليار ريال سنويًّا، وكانت قريبة جدًّا من تحقيق ذلك الهدف لولا مواقف وزيرة خارجيتها وسفارتها الفاقدة للدبلوماسية والكياسة الدولية. استخدام عصا العلاقات التجارية أحد أهم القرارات المؤثرة في المواقف السياسية، والمثيرة للوبي المال والاستثمار الأكثر تأثيرًا على الحكومات الغربية؛ لذا أعتقد أن مراجعة الحكومة الكندية مواقفها والتراجع عنها هما الأقرب مع ردة الفعل الحازمة، بل أحسب أن تعامل المملكة الحازم مع الموقف الكندي المسيء سيبعث رسالة، مِلْؤها العبرة والعظة، للمجتمع الدولي، وليس كندا فحسب.