د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
الحلقة الأهم في منظومة الغذاء أسواق الخضار، ويقصد بأسواق الخضار الأسواق التي تباع فيها الخضار والفواكه والدواجن واللحوم وحتى الأسماك. وهذه الأسواق حلقة مفصلية في سلسلة طويلة تبدأ بإنتاج الأغذية وتنتهي بإيصال الغذاء إلى مائدة المستهلك. وهذه أسواق حيوية بالنسبة لجميع الدول لأنها تتعلق بمتطلب يومي للمواطن وتشكل عاملا أساسيا في صحته وصحة المجتمع ككل. ولجميع دول العالم معايير معينة لإنتاج ونقل وتوزيع الأغذية المستورد منها والمحلي لضمان سلامة ما يصل للمواطن ومنع العبث فيه.
ونظرًا لما ينعم به المواطن السعودي من خيرات يعد مستهلكا رئيسا لمنتجات الخضار والفواكه من دول كثيرة من العالم شرقًا وغربًا. ولذلك لا عجب أن تجد في أسواقنا كل ما يطرح من نعم في دول أخرى من العالم. فالسعودية مستهلك كبير للأطعمة بل أن البعض يرى أن هناك بعض الإسراف في استهلاكنا. وقد انعكس ذلك على حجم أسواق الخضار لدينا وعلى ضخامة الاستثمار فيها. فهي أسواق كبيرة يمكن أن توفر الكثير من الوظائف لشبابنا التي تحرص الدولة على توظيفهم كجزء من رؤيتها 2030م التي تسعى لمعالجة الاختلال في السوق السعودية والقضاء على البطالة في الاقتصاد.
ولا شك أن من أهم الأسباب لسعودة هذه الأسواق بالكامل أسباب تتعلق بالنظافة والأمانة وليس فقط بأمور اقتصادية. وقد قامت البلديات بمداهمات عديدة لمطاعم ومطابخ أتضح أنها تتاجر بشكل غير مباشر بصحة المواطن وتغشه بلا اكتراث وبكل الأساليب وبكل ما هو مضر لصحته. ووصل ذلك لتخزين المواد الغذائية في أماكن غير صالحة، وحتى تقديم دواجن وذبائح غير صالحة للاستهلاك الآدمي. ولذا تعد سعودة منظومة الغذاء في المملكة أمر في غاية الحيوية. فهذا قطاع يجب ألا يترك لإدارة الوافدين لاسيما بعد ما اكتشف مؤخرًا من عدم اكتراث كثير من الوافدين بصحة المواطن.
والكثير يعرفون أن أسواق الغذاء سواء الجملة أو المفرق هي بيد وافدين من جنسيات معينة تعمل تحت أسماء سعودية وقد نشرت بعض أمانات المدن مؤخرًا أسماء بعض المخالفين وكذلك أسماء المتسترين عليهم، ورغم ذلك يعتقد كثير من المواطنين أن جهات الضبط الرسمية يجب أن تمنح صلاحيات أكبر للضبط والتشهير وخاصة عندما يتعلق الأمر بصحة الإنسان.
ويربط البعض كثيرا من تسيب العمالة ومشاكل غشهم لسوء استغلال كفلائهم والمتسترين عليهم للأنظمة الموجودة. وشبه أحدهم المتستر بمن يلبس قبعة الإخفاء السرية التي يلبسها السحرة والمجرمون في الأفلام والروايات، تراه حولك في كل مكان وعندما تحاول القبض عليه يختفي. تشاهد بأم عينك أحيانًا سيطرة واضحة لعمالة وافدة على بعض النشاطات المتعلقة بالغذاء في اقتصادنا ولا تعرف كيف تم ذلك؟ فالعمالة لا تكتفي بالعمل بشكل غير شرعي في غير ما استقدمت من أجله، بل بدأت في محاربة السعودي ومنعه من دخول مجالاتها. يحاربونه حتى يستسلم ويسلم محله لهم ويقبل بالمقسوم. يخيرونه بين الفقر والبطالة أو التنازل عن نشاطه لهم. وسمعت من شباب حاولوا دخول نشاط بيع الفواكه والخضار، فحاربتهم العمالة بدءاً من سوق الجملة وانتهاءً بالبسطات في المحلات. وقد تكون هناك جنسية أو جنسيتان تحتكران تزويد كثير من السوبرماركت المعروفة بالأغذية. وبعض هذه السوبرماركت تتبع لشركات مساهمة. وهي تؤجر مساحات الخضار والفواكه في السوبرماركت بنظام التعاقد للعمالة التي تجلب الخضار من سوق الجملة لتبيعه بالتجزئة.
لنا للأسف تجارب ومحاولات عديدة لسعودة هذه المنظومات المهمة في أسواقنا، ولكن مرة بعد أخرى أثبتت العمالة ومعها من يتستر عليها قدرة عجيبة على الالتفاف على الأنظمة الوطنية التي تحاول تنظيم هذه الأنشطة الحيوية. لا نتهم أحدا بالتقصير، ولا بأية أمور أخرى، ولكن القصور في سعودة هذه القطاعات واضح لكل من يذهب للتسوق فيها. مساحات أسواق خضار الجملة محتكرة لأناس لا يحضرون للسوق إلا في حالات الطوارئ لحماية مشغلها الحقيقي من السلطات، وكلما ازدادت خطورة كشف هذا الاحتيال ازدادت معه العمولة التي يقدمها العامل للخامل.
ربما تحتاج أوضاع العمالة في منظومتنا الغذائية وخاصة أسواق الخضار والفواكه ومنافذ الغذاء لقرارات حاسمة تسعودها بالكامل لا سيما وأن الشباب السعودي أثبت رغبة كبيرة في دخول هذا المجال، وكثير منهم أثبت قدرة ومهارة استثنائية في مجال تقديم الأغذية والمشروبات بشكل صحي وسليم يضاهي ما يقدم في الدول المتقدمة. وهذا أمر غير مستغرب فهم جميعهم تعلموا في هذه الدول ومستوى وعيهم الصحي والأخلاقي يفوق العمالة الوافدة بكثير. وبسعودة هذه الأسواق نضرب عصفورين بحجر، نضمن صحة المواطن وعمل الشاب السعودي.