عبده الأسمري
الدبلوماسية لعبته والسياسة همته.. والوطنية مهمته.. اعتلى المنصات رافعًا لاسم الوطن مدافعًا أمام الفتن مترافعًا ضد الأعداء.. في يمناه قبضة «التحدي» وفي يسراه تلويحة الاعتراض.. من مهد المثالية الشخصية وعهد التمثيل الوطني ظل أسمًا بارزًا «بارز» المهمات والصعاب في تقاطعات عدة ليرسم المكان الأمثل للسيادة السعودية في محافل دولية كسفير وممثل ومندوب دولي يتحدث باسم الوطن ويعمل كجندي مجهول يرسم سياسات الخارج ويرصد محكاة التحديات، فكان خبيرًا يوزع المهام والتكتيك الديبلوماسي في أروع صوره خلف لواء «القيادة».
إنه سفير السعودية لدى مصر ومندوب المملكة الدائم لدى جامعة الدول العربية سابقًا وزير الدولة لشؤون الدول الإفريقية حاليًا معالي السفير أحمد قطان أحد وجوه وزارة الخارجية.
بوجه حجازي مسبوغ بالحنكة مسجوع بالدهاء وملامح مكاوية شبيهة بوالده، وعينان واسعتان تتوارد منها نظرات التروي وانتظارات الحكمة مع كاريزما أصيلة وأناقة فاخرة تعتمر الزي الوطني والدولي الموشح بالأصالة والهيبة مع صوت جهوري منمق تنطلق منه عبارات السياسة واعتبارات الديبلوماسية وعبرات الإنسانية وتعلو منه مفردات حجازية وفق المناسبة مع لغة حافلة بالتأثير تتخذ من صوت الوطن عنوانًا ومن المصالح الدولية والتعاون المشترك والعلاقات الأخوية تفاصيل بلا حدود، قضى قطان عقودًا في معترك العمل وقاعات الاجتماعات وطاولة التوصيات وميادين السياسة سفيرًا ومندوبًا دائمًا للسعودية وسياسيًا خاض التجارب وقاد المراحل فكان فيها «أسما ذو وزن» في ميزان الرؤية والقوة والقرار.
في مكة جال قطان مع أقرانه بين شعب عامر والمسفلة والحجون والعتيبية منتشيًا بصباحات «الطهر الديني» معتقًا ببخور «منازل الطيبين» موشحًا بأهازيج المكيين في أيام العيد ومناسبات الفرح، فنشأ وفي قلبه «أناشيد الصفاء المكي» وحكايات الرواد في مركاز حيه فتجاذبت نفسه مع تراتيل الذكر في جنبات بيت الله الحرام وتفاصيل العطاء في سخاء أهل الحجاز وامتلأت ذاكرته بقصص الفالحين من أبناء عائلته القادمين بالشهادات والامتيازات مسجلاً في عقله أمنيات النهار أمام والده الذي اعتاد مرافقته ليقرأ ملامح الإنجاز ويستقرئ مطامح الاعتزاز من عشيرته «الأقربين» مرتكنًا إلى حديث لوالدته لا يتوقف عن مشاريع الغد فرافقته دعوات تهجد ظلت تحفه بالتوفيق والسداد.
لعب قطان الكرة بين أزقة الحي مع جيل جلسوا فيما بعد على طاولات السياسة وأمام أعين المراقبين وجلس بين البسطاء الذين رأى في تجاعيدهم «هموم الحياة» واكتشف من خلالهم «حلول الكفاح» منصتًا لأحاديث المساء المكية العامرة في مرابع قومه وذكريات الطامحين في الغربة من مذياع منزلة فتشربت روحه «وقود الرحلة» وبات يحيك رداءه بنفسه وعلى طريقة «الكبار» رغمًا عن صغر السن هازمًا معوقات الأماني فأفضى إلى المقربين إليه حديثًا بأنه طامح للعلا مصافح للمعالي منذ بداياته معلنًا «الاغتراب» باكرًا لنيل شهادة الجامعة من أرض الكنانة التي كتبها كحلم ذات يوم على جدران الحي وكأمنية أولى وأمل ثابت في أوراقة الخاصة.
نال قطان بكالوريوس الاقتصاد من جامعة القاهرة عام 1978 والتحق للعمل بوزارة الخارجية، وعمل في سفارة خادم الحرمين الشريفين في لندن عامي 1982م و1983م، كما عمل في السفارة السعودية بواشنطن من عام 1984م - 2005م، وشغل منصب نائب السفير بالسفارة ذاتها من عام 2002م حتى عام 2005م.
شارك منذ عام 1984م وحتى عام 2005م في جميـع دورات الأمم المتحدة في نيويورك، وتولى منصب مراقب السعودية الدائم لدى منظمة الدول الأمريكية من عام 1996م وحتى عام 2005م.
وعُيِّن كمندوب دائم للسعودية لدى جامعة الدول العربية في فبراير عام 2005م وشارك في قمم عدة وترأس وفودًا سياسية عدة، وصدر الأمر السامي الكريم بتعيينه سفيرًا لدى جمهورية مصر العربية بالمرتبة الممتازة عام 2011، وكان أول دبلوماسي سعودي يجمع بين منصب سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر ومنصب المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى جامعة الدول العربية. ثم تم تعيينه في العام الجاري وزير دولة لشؤون الدول الإفريقية بمرتبة وزير في وزارة الخارجية. أربعة عقود كان فيها أحمد قطان «وجهًا ثابتًا» في السياسة الخارجية ووجيهًا دبلوماسيًا في قائمة «السفراء المخضرمين»، نحت اسمه في لوحة الشرف فكان حجر زاوية وركن فخر ملأ مكانه وأثبت مكانته تاركًا صيته كحديث وصوته كحدث في صفحات التاريخ السياسي.