عبد الله باخشوين
(أبو سلام) رجل ستيني.. بدأ حياته خبازاً.. عرفته في مجلة (وعي العمال) خبيراً في قسم الشؤون القانونية.. القسم الأساسي في المجلة والذي يعنى بقضايا العمال وحقوقهم ومنازعاتهم مع أرباب العمل وما إلى ذلك من أمور.. لا تهمني في شيء.
بعد تعيين رئيس جديد للاتحاد العام لنقابات العمال هو كمال عبدالله -كما أتذكر- تم انتدابي مع (أبوسلام) مع مندوبين من بقية الصحف العراقية.. لمرافقة رئيس وأعضاء الاتحاد في جولة لمناطق شمال العراق تستمر أسبوعاً.
كان وجودي هامشياً لأن أبا سلام هو الذي سيقوم بمتابعة وتغطية قضايا العمال التي سوف تطرح... غير أنني تعرفت على الرجل خلال تلك الرحلة... ولدهشتي اكتشفت أن الرجل كان سجيناً سياسياً مع صدام حسين في زنزانة واحدة في نحو عام 66-1967. وأنه سجن لأنه قاد محاولة (انقلابية) ضد النظام الذي كان يحكم العراق، وجند فصيلاً عسكرياً مسلحاً بالدبابات واستولوا على معسكر (الرشيد) العسكري في بغداد وفشلت محاولتهم هناك.. وأنه كان آخر سجين سياسي في العراق وقد أطلق سراحه صدام بعد نجاح الانقلاب الذي قام به حزب البعث وأبعد عن الحياة السياسية وبقرار آخر استقر في (وعي العمال) التي يبدو أنها كانت موقعاً مناسباً لمن تريد السلطة الحاكمة إبعاده عن العمل السياسي.. بدءاً بعزيز السيد جاسم رئيس التحرير الشخص القوي الذي لم تجد (المخابرات العراقية مكاناً مناسباً للخلاص منه سوى إذابة جسده في محلول (الأسيد) مروراً بقتيبة عبدالله التكريتي الذي قضي (مسموماً) وانتهاء بابي سلام وآخرين لم أحتك بهم وكان يطلق عليهم (مجموعة البصرة) يشرف على إدارتهم عدنان إبراهيم الذي أصبح رئيساً للتحرير بعد رحيل عزيز.. في حين كانت مجلة (ألف باء) التي يرأس تحريرها حسن العلوي مركزاً لتجمع الصحفيين والمثقفين الذين يحظون برعاية خاصة من صدام حسين في ظل نجم لامع هو حسن العلوي الذي كان له مكانة خاصة ومميزة لدى (السيد النائب) كما كان يسمي صدام.
كانت تلك الفترة التي واكبت الانقلاب الذي قاده صدام ضد أحمد حسن البكر أحرج فترة عاشها عراق البعث.. فقد تم خلالها إطلاق يد الأجهزة الأمنية لتقود حملات تطهير لمعارضي صعود صدام شملت في طياتها تصفيات خاصة لمصالح لا علاقة لها بالمهام التي طلبتها الدولة، وأصبح كل من له خلاف مع أحد رجال الأمن معرضاً للقتل، وهذا ما حدث لعائلة (أبوسلام) فقد وجد من يقوم بتصفية أبناء وبنات شقيقه الذي يعيش معه في نفس المنزل..واضطر لإبعاد عائلته عن بغداد.. وعندما زارني في منزلي قبل مغادرتي العراق بفترة وجيزة..قال: (سوف يقتلون قتيبة).. قلت: -(من صدام؟)..قال: -(معظم الذين تم قتلهم لا يعرف صدام عنهم أي شيء.. ترك الأمر للمخابرات واتفرغ لتصفية الأعداء الحقيقيين) وانتهى للقول (خايف تكون هذي آخر مرة أشوفك فيها يا أبا محمد) وضربت زوجتي صدرها بخوف وصرخت (يقتلوك ليه اش سويت.. حسبي الله عليهم.. حسبي الله على الظالم.