د. فهد صالح عبدالله السلطان
يكاد يتفق علماء الاجتماع وعلماء النفس على أن معظم المشكلات الأسرية والاجتماعية في العالم المعاصر تعود لأسباب مادية نتج عنها ضغوط قوية أفضت إلى مشكلات فردية وأسرية. وقد كثرت في هذا العصر الضغوط النفسية على الشباب والجيل الصاعد، خاصة تلك الناتجة عن عدم توفر الملاءة المالية التي تساعد على تحقيق الحد الأدنى من الكفاف والحياة المستقرة. وتتمثل المشكلة عندما يكون دخل الفرد لا يكفي لتغطية احتياجاته الأساسية فضلاً عن متطلباته التكميلية. فما هو الحل؟
أحد الحلول المطروحة على الساحة العلمية والعملية تركز على الأخذ بمنهج الحرية المالية. والذي ظهر في الآونة الأخيرة كهدف وحل لتحديات المشكلات المالية. والحرية المالية هي حالة تكون فيها عوائد استثمارات الفرد المالية مساوية أو فائضة عن مصروفاته. هنالك قاعدة عامة تظهر في أدبيات الموضوع تسمى قاعدة الـ 4%. وهي تعني أن الإنسان يحتاج إلى استثمارات آمنة تحقق له سنويًا ما لا يقل عن 4% من الأرباح التي تغطي مصاريفه السنوية. وهذه الـ 4% يمكن تكييفها مع المستوى المعيشي للشخص. أما أولئك الذين يتقاضون مرتبات شهرية فهم أيضًا مطالبون بأن تفوق عوائدهم المالية مصاريفهم الشهرية. قد يقول قائل إن هذا أمر بديهي ولكن المهم هو كيف يحقق محدودي الدخل عوائد مالية تفوق مصروفاتهم الاستهلاكية؟ الإجابة على هذا السؤال تكمن في قدرة الإنسان ومهارته في إدارة عوائده حتى وإن كانت قليلة. فمن المعلوم أنه وبصرف النظر عما كانت عليه حال الإنسان عندما بدأ حياته العملية فسينتهي به المطاف إلى واحدة من ثلاث حالات: غني أو متوسط أو فقير الحال. وفي الواقع فإن هذه النتيجة تعود بعد الله إلى إرادة الشخص نفسه وإدارته لماله. بل هي نتيجة لتوجه الشخص وإستراتيجيته في بداية حياته.. حيث إن هناك مسارين رئيسيين: الأول مسار الفقراء وهو مسار يؤدي إلى نادي الفقراء والثاني مسار يؤدي إلى نادي الأغنياء. وكل إنسان له الحرية الكاملة في أن يسلك أياً من المسارين استنادًا إلى ما يعرف بقرار الشراء.. فعندما يقرر الفرد شراء الخصوم فقد سلك مسار الفقراء، وعندما يتجه إلى شراء الأصول فقد ركب مسار الأغنياء. كيف؟ شراء الخصوم هنا يعني اتجاه الفرد إلى شراء مقتنيات تستهلك معظم دخله بحيث لا يتمكن من توفير فائض مالي يساعده على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية، وذلك كاقتناء سيارة تفيض عن احتياجه ودخله أو السكن في منزل يزيد عن متطلباته الأساسية... إلخ بينما أن شراء الأصول يعني اتجاه الفرد إلى اقتناء متطلباته الأساسية فقط التي لا تستنزف عوائده المالية والتركيز على اقتناء الأصول التي تساعد على حفظ المال وتساعد في كثير من الأحوال على زيادة العوائد.
شراء الخصوم يعني أن يقوم الشاب بشراء أشياء تتطلب منه نفقات عليها أو أن عوائدها أقل من نفقاتها، أي شراء لسلع استهلاكية كمالية تستنزف ثروته ولا تدر عليه أي عوائد، كشراء السيارة الفارهة أو شراء استراحة أو منزل يفوق احتياجه الفعلي. بينما شراء الأصول يعني شرائه لأصول استثمارية تعود عليه بعوائد مالية تساعده على تكوين فوائض مالية وثروة يمكن استخدامها مستقبلاً على شراء الكماليات وحياة الرفاه. وباختصار فإننا - في ظل التحديات الاقتصادية ومتطلبات العصر - مطالبون بالتركيز على شراء الأصول والتقليل بقدر الإمكان من شراء الخصوم أملاً في الانضمام إلى نادي الأغنياء وتحقيق حياة أفضل.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،