د. خالد عبدالله الخميس
«الهياط» كلمة عامية تعبر عن سلوك الشخص الذي يتباهى بالثراء والمجد وهو صفر اليدين. وربما تعجب أن يكون عمرو بن كلثوم يأتي في رأس المهايطين العرب عندما قال:
ملأنا البحر حتى ضاق عنا
وماء البحر نملأه سفينا
وهو يعلم أنه لو جمع قومّه لما استطاعوا صنع أصغر سفينة فكيف بملء البحر سفناً، وعندما قال:
إذا بلغ الفطام لنا وليدا
تخر لها الجبابر ساجدينا
وهو يعلم أن فطيمهم يبكي سنتين مستنجداً برضعة أمه. وأوسخ هياط قاله عمرو:
ونشرب إن وردنا الماء صفواً
ويشرب غيرنا كدراً وطينا
فلا يروق شرب الماء الصافي لقومه إلا إذا شرب الباقون ماء القذارة، تأكيداَ لصفة الفجور والطغيان.
وفي مناهجنا الدراسية في عالمنا العربي، يُوصف عمرو بن كلثوم بأنه أفضل شاعر في الفخر وليس «الهياط» وإلى الآن يتتلمذ على طريقة «هياطه» الشعراء النبطيون وغير النبطيين. وما نشهده اليوم من الفخر الموغل في المفتريات هو نتاج لمدرسة «الهياط» في الشعر. ولو دققتم فيما يقوله معظم الشعراء الشعبيين اليوم من مغالاة في مدح جماعته لتأكد لديكم أن مدرسة الهياط تتطور وتتسرطن.
ولا يرفض «الهياط» ويحتقره سوى أصحاب العقول الحكيمة، فتجد مثلاً أبو جعفر المنصور وكذا كان الملك فيصل بن عبدالعزيز لا يلقون وزناً للمدّاحين و»المهايطين» باعتبار أن المدح على طريقة «الهياط» هو نفاق فاضح بامتياز, وكما كان الملك فيصل يقول للشعراء المداحين (عطني كلام وأعطيك كلام).
وكثير منا نحن العرب تأثرنا بمدرسة المهايطين حتى في نظرتنا السياسية، وأشهر العبارات الهياطية على المستوى السياسي «سنرمي اسرائيل في البحر» في الوقت الذي هو منبطح لإسرائيل.
واليوم يملأ الإعلام العربي إعلاميون ذو نفس هياطي بامتياز وتنتشر بينهم عبارات هياطية، ولقد عبّر أحد النقاد عن ظاهرة الهياط العربي «بأن العرب يعشقون الصخب كونهم ظاهرة صوتية»، وبالفعل، فمعلقة عمرو بن كلثوم لا يطربك فيها إلا ضجيج الكلام وصخب العبارات. ولو تمت ترجمة معاني قصيدة عمرو بن كلثوم للغة الهندية، لضحك من محتواها مجانين الهنود وأطفالهم ناهيك عن عقلائهم وعلمائهم.
للأمانة، المشكلة ليست فيمن يهايط، وإنما فيمن يصفق للهياط، ولو لم يُصفق لمن يهايط لما وجدت شاعراً هيّاطاً، وأكثر من يستميت على شعر الفخر بالهياط هم الفاسدون الذين يغطون على فسادهم بأوصاف الصلاح والنزاهة، فهل يا ترى ينقرض شعر الهياط في ظل تدهور ظاهرة الفساد!