محمد آل الشيخ
كثيرون فسروا تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول استعداده للجلوس مع إيران على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة على أنه تراجع عن الموقف الحازم الذي أعلنه عندما انسحب من اتفاقية أوباما التعيسة حول المفاعلات النووية الإيرانية. وأنا أرى خلاف ذلك، ففي تقديري أن كل من قرأ التصريح بتمعن يجد أنه لم يقدم لملالي إيران أي تنازل، عندما اشترط أن يكون اللقاء دونما شروط مسبقة.
ترامب وجميع حلفائه في المنطقة ينطلقون في كل مواقفهم المناوئة لإيران من مواقفها العدائية التوسعية، وتوظيف الميليشيات الإرهابية المستأجرة لخدمة تنفيذ وصية الخميني لأسلافه بتصدير الثورة للدول المجاورة، وإذا قبلت إيران بالتخلي عن هذه الممارسات العدائية، والتي خلقت لها من المتاعب والمصاعب ما تمر به الآن وتركت عنها طموحاتها التوسعية، ومحاولة تشييع الشعوب المجاورة لها، واهتمت بقضاياها التنموية، وصرفت مقدراتها المالية على الرقي بشعبها وانتشال الإنسان الإيراني من الفقر والعوز والمرض وتفشي المخدرات، فكلنا، وليس الرئيس ترامب فقط، سنكون معها، وليس لدي شك أن جميع دول العالم ستمد يد التعاون معها، وبالذات الدول الخليجية الغنية، وكل ذلك سينعكس لأسباب موضوعية على تخليص إيران من أزماتها واختناقاتها واضطرارها إلى إسكات معارضيها في الداخل بالحديد والنار، كما أن المعارضة التي يتضخم تعداد المنضوين في صفوفها يوماً بعد يوم ستفقد حتماً رهاناتها، وسينفض الإيرانيون عنها، وسيلتحقون بمسيرة تنمية البشر وإعمار الحجر، وستعيش في رفاهية مماثلة لرفاهية دول العصر الأخرى.
العملة الإيرانية وصلت إلى مستويات متدنية قياسية، وفي تقديري أن القادم سيكون أدهى وأمر، لهذا انتهز الرئيس ترامب ما تمر به الحالة الإيرانية الاقتصادية من تدهور، ليقدم عرض التفاوض مع الإيرانيين دونما شروط مسبقة، وهي خطوة غاية في الذكاء، فهي من جهة تعطي الملالي فرصة أخيرة لتعديل سلوكياتهم العدائية في المنطقة، وهي من جهة أخرى تستقطب كثيراً من الإيرانيين، وبالذات غير المؤدلجين، للضغط على القمة السياسية لقبول العرض، والجلوس مع الإدارة الأمريكية، وسماع ما لديها من أفكار، ربما تكون جديدة وبناءة، وتنقذهم من مأزقهم الاقتصادي البائس الذي يتفاقم يوماً بعد يوم، وفشل حكومة الملالي في الخروج منه، خاصة أن الإيرانيين أدركوا الآن أن في يد أمريكا جميع أوراق قضيتهم، ولا تملك الدول الأخرى التي كانت قد شاركت في الاتفاقية النووية، أي إمكانية حقيقية على تنفيذها بمعزل عن الولايات المتحدة.
عرض ترامب على الإيرانيين فرصة ذهبية، من الغباء والحمق عدم الاستجابة له، فقد ثبت الآن للإيرانيين أن فكرة تصدير الثورة فكرة مستحيلة، لا يمكن أن تتماهى مع العصر، وليست العقوبات الاقتصادية القادمة التي هدد بها الرئيس ترامب إلا بمثابة حبل المشنقة، الذي سيحيل ثورة الخميني إلى مقابر التاريخ، فهل بين الملالي رجل رشيد يقرأ أزمتهم الحالية بعين الموضوعية والعقل وبعيداً عن العنتريات التي ما قتلت ذبابة قط؟
إلى اللقاء