د.ثريا العريض
تصريحات مهمة في الأسبوع الماضي لفتت انتباه المراقبين: تصريح مسؤول إيراني أن إيران ترغب في علاقات إيجابية مع جيرانها الخليجيين، وتصريح مسؤول آخر أنه في حالة منعت إيران من تصدير نفطها، فستغلق مضيق هرمز وتمنع تصدير النفط الخليجي، ثم قول الرئيس دونالد ترامب إنه يرغب أن يرى منظمة خليجية على غرار «الناتو».
أتابع التحركات الشعبية والجولات والبيانات الرسمية محاولة استقراء ما قاد إليها وما تسعى إليه، لعله يوضح ما سيحمل لنا مستقبلاً في الداخل والخارج. والمتابعة ظاهرياً ليست صعبة فوسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية توافينا بآخر المستجدات فورياً.
في جوارنا الخليجي ما زالت القطيعة مع قطر قائمة. بينما الحدث الإيجابي عربياً وخليجياً هو استعادة العلاقات الطبيعية مع العراق، بعد قطيعة ربع قرن منذ مفاجأة غدر صدام بالكويت، وعاصفة الصحراء لتحريرها من غزوه لها. فالعراق الذي فقد تماسكه وهويته العربية أمسى ساحة لتسلل الطموحات الفارسية وتمدد النفوذ الإيراني عابراً إلى سوريا ولبنان، مهدداً بإذابة وشائج الانتماء العربي وتنامي انتماء مذهبي مشوه يتسامح مع هيمنة إيران فكرياً وعسكرياً. كل ذلك أجج صراعات طائفية وتطرف مضاد وانفصامات داخلية في الجوار كله. ولم يتوقف نشاط التمدد في الجوار المباشر بل امتد إلى الأبعد؛ اليمن ودول أفريقيا.
الجبهة الوحيدة التي ظلت تقاوم هذا التمدد هي المملكة العربية السعودية مدعمة باستقرارها مجتمعياً واقتصادياً وإصرارها على حماية جاراتها من أي اعتداء. وجسدت فعلاً دورها كدرع الجزيرة العربية. الآن وقد انكشفت خطط إيران وتدخلها السافر في شؤون الدول بدعم الانقلابيين وإمدادهم بالسلاح والتدريب اتضح أن هدف إيران الأبعد كان محاصرة المملكة وهدم استقرارها بالعمل العدواني في الداخل والخارج على كل الحدود. واضح أيضاً أن استراتيجية المملكة العربية السعودية تركز على بناء العلاقات والتحالفات، وتسعى لتقوية العلاقات مع الدول الآسيوية والأفريقية نحو الإيجابية والوسطية والاعتدال، والوقوف معاً ضد الإرهاب والتدخل والهيمنة على مصائر الدول بقلقلة استقرارها سياسياً واقتصادياً. وبذلك المنطلق تسعى أيضاً لتقليم مخالب إيران في المنطقة العربية.
العالم كله يهتز بتأثير أحداث المنطقة ويقف ممسكاً أنفاسه مصراً على الحوار، رغم الشحن العاطفي السلبي، والتنافر الإيديولوجي ومستجدات عسكرية بتصنيف كوارث مدمرة،. نواجه جميعاً نتائج تواصل عقود من التراكمات الهادمة ولدت ملايين اللاجئين والهاربين من أوطان تحترق بتخطيط خارجي فعل داخلي، وملايين الضحايا الأبرياء.
ليس هناك اتفاق بالإجماع في أي بلد على الخيارات الأفضل للأغلبية ديموقراطياً في مواجهة الصراعات الحزبية. وبينما يتشابه البشر في خوفهم من الإرهاب، يختلف المواطنون في كل بلد حول تفضيلاتهم في العلاقات الثنائية والدولية. في أمريكا خلاف حول نتائج قرارات ترامب في ما يختص بالسياسة الخارجية، وفي روسيا سعي لاستعادة موقع ندية قطبية وهيمنة عالمية مفتقدة.
وفي الشرق الأوسط لم تتوقف العواصف منذ الخمسينيات محتدمة بتيارات التمزق والتحالف مدفوعة بمتغيرات مواقف قياداته، والعالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وبينما منطقة الشرق الأوسط من تركيا شمالاً إلى السودان والصومال واليمن جنوباً، ومن الخليج شرقاً إلى المحيط غرباً، تجد نفسها لاتزال تصارع لاستعادة الاستقرار واستدامته بعد تساقط الأنظمة واحتشاد الشوارع وشعارات الغضب واستثارة وحش الطائفية وتغوّل الإرهاب. ولعل منطقة الخليج الأوضح وجهة بين الدول في الجوار الإقليمي والعربي. منطقة الهلال الخصيب دمرت هويتها التاريخية بفعل فاعل، سبقه نكبات الربيع العربي. ومنطقة الخليج تتفادى أن تسقط في نفس الحمأة.
حتى الآن ونحن في الخليج بخير ونحقق من التناصح والتوازن والتكاتف والتساند ما يمكّننا من ليس فقط إبقاء رؤوسنا عالية سالمة، وشوارعنا فوق الماء المتعكر، بل ومد يد العون إلى الأقربين كي لا تسحبهم الدوامة الى اللجة. سنستمر في الاستعداد لكل احتمال قادم. وأول أولوياتنا أن نعيد الوئام والاستقرار للجوار، ونحبط أي خطة لتصعيد ونشر الدمار.
زيارات الرؤساء والوفود المرافقة واتفاقيات التعاون والاستثمار بيننا تدعو للتفاؤل بمد هادئ من العلاقات الإيجابية البانية. وهذا ما يطمئن المواطن.